وهم العادات/عبدالجبار الموسوي

وهم العادات/عبدالجبار الموسوي

لا شك أن قوانين السماء وُجدت من أجل سعادة الإنسان ولكي تبسط له فراش الحیاة بأسمى معانيها وتوصله إلى مدارج الكمال في الدنيا قبل الآخرة.


من هنا كان أسلافنا الصالحون يعيرون اهتماما بالغاً لتعاليم الشريعة و يرونها المفتاح الأساسي لبلوغ الاستقرار النفسي والطمأنينة الروحية فكانوا يسلكون الطريقة للوصول إلى الحقيقة مستعينين بالشريعة المقدسة عالمين أن النفس الكريمة البريئة من ذمائم الخصال سعيدة حيثما حلّت.

في الطبع كل إنسان يبحث عن السعادة ويجدها مطلوبة في ذاته لكنما تختلف المطالب حسب الظرفية الوجودية لكل شخص. فالعامّة من الناس يرون السعادة والكرامة في مزايا الحياة المادية من مال وجمال وحسب و نسب وغير ذلك من الاعتبارات التي لا تجدي فتيلاً حينما يرتبط الأمر بقيمة الإنسان وقدراته اللامتناهية فتراهم يبذلون جلّ جهدهم في طلبها واقتنائها ليتفاخروا ويستعلوا بها على غيرهم وفي الواقع هذه المزايا وهمية ولاتجلب شيئاً من السعادة الحقيقية دون أن توقع طالبيها في مهابط الهلكة والشقوة.

إننا نعيش في وسطٍ اجتماعي له تقاليده ومقنناته التي من شأنها أن تؤدي دوراً أساسيا في تقدمنا أو إحجامنا عن التقدم والتطور ،وبذلك يجب علينا أن ندرس الإيجاب فنحتفظ به ونسعى في تطويره و ندرس السلب أيضا لكي نتخلص منه رويدا رويدا .

 

العادات والتقاليد الحميدة التي تتّسم بها مجتمعاتنا العربية كثيرة وكبيرة وإنها وإن لم تكن عامة عند كلّ فرد عربي لكنها الطابع العام على أغلبهم.

من تلك الصفات الصدق والأمانة والوفاء بالعهد و بسط اليد و إفشاء السلام وحفظ الجار و الذود عن الذمار وصلة الأرحام ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف والشجاعة والغيرة والنجدة والأنفة و غير ذلك من الصفات النبيلة التي بُعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ليتمّمها ويضبطها تحت إطار مستحكم ألا وهو الدين القيم. فقام صلى الله عليه وآله برسم المحور الذي يبدأ بتكوين الذات وينتهي بإنشاء مجتمع سليم يعمل من أجل سلامة العالم بأسره و يقوده إلى حيث الفلاح الحقيقي.

وقد ترك بعض أسلافنا في هذا المجال بصمات خالدة استطاعت أن تزهر في سماء الإنسانية و تحلّق عالياً فيها والمتوخى منا الآن ونحن نعيش في عالم ملؤه تكنولوجيا أن تتجلى عندنا تلك الصفات بشكل أوضح مقارنةً مع الأجيال المنصرمة.

 

في الجهة المقابلة عندنا عاهات و تقاليد تجثم بثقلها علينا لتكرّس دونية مجتمعاتنا العربية عن غيرها ولا نمارسها إلا لأننا ألفينا آباءنا كذلك يفعلون أو هي حصيلة حماقات تصدر عن بعضنا المصابين بداء المجاملات والمصانعات إذ يشهد العقل والنقل بفسادها وبذاءتها ویجب علینا التنصُّل منها إن رمنا أن نحظى بمجتمع حضاري بعيد عن الجهل والسفاهة.

تلك التقاليد الباطلة هي بمثابة آفة تقتلع التمدّن من جذوره وتقف حائلا دون بزوغ فجره!

بشكل غريب ومريب نشاهد عادات باطلة تسود مجتمعاتنا وتهيمن عليها وهي تتعارض مع العقل السليم و تعاليم الإسلام في كل حالاتها، بل هي محاربة مع دين الله وارتسام لنهج الجاهلية المنحطة.
بعض تلك العادات أمست دستوراً لنا وجزءا لايتجزأ من كيان القبيلة وهيبتها بل وصل بنا المطاف حيث لا يضر بنا إذا استُنكرت أوامر الدين مالم ينثلم جلال القبيلة واعتبارها إذ أن الغاية القصوى لدى كل فرد هي إرضاء الباقين وتمجيدهم له أمّا الشريعة السماوية فذاك موضوع لا يعطي ثماره يانعةً مالم يرتبط بالرياء والإطراء أو بلوغ هدف دنيوي!


هناك أمثلة عديدة ترتبط بهذا الأمر قرعت أبواب آذاننا عدة مرات. منها :

_لا تزوّج ابنتك أو أختك من خارج القبيلة
_ارضخ للقوة الغضبية ولاتكترث للعواقب فإن القبيلة ستجمع الدية قرانا قرانا
_اذبح الذبائح و وفّر الطعام في مجالس العزاء ولنكن مضرب مثل للآخرين في البذل والإسراف ولا يقلقك الثمن فإن المعازين يجودون علينا بال”أجرة” والباقي سيدفعه رجال القبيلة
_كُلْ في مجلس العزاء بكل شهية و خذ من الطعام لأهلك وذويك لأنك سوف تدفع الواجب شئت أم أبيت
_لا تتثاقل عن إطلاق المزيد من العيارات النارية فإن المتوفى قريب منك وإن لم تفعل فسيقول الناس إن الميت لم يكن ذا أهمية لدى أهله وإنهم لفقراء
_إذا حصلت كدورة بينك وبين أحد أعمامك قف دون زواج ابنته أو أخته بتحذير الخُطّاب
_إذا رغبت في الزواج من إحدى فتيات القبيلة فليس لها حق الرفض كائنا من كنت
_لا تُبقوا لبني فلان عامر دار ولا نافخ نار لأن أخاهم قتل واحدا منا وإن الدم لا يغسله إلا الدم
_اذا رأيت ما ينافي الغيرة من أختك أو بنتك فلا تتمهل و قم بذبحها دون روية أو تحقيق ولا تخفك العواقب فإن الحكومة سوف تطلق سراحك بعد عام أو عامين
_قبل أن تسأل عن صاحب الحق اجهد في أن ينتصر أخوك، ظالماً كان أو مظلوما
_افعل ما يحلو لك و ارتكب أي جناية شئت فعند السقوط سوف ينهضك صندوق القبيلة ويقيل عثرتك
_لأنك شيعي المذهب فعليك أن تتولى فلانا وفلانا ولأنك سني المذهب فعليك أن تتبرأ من فلان وفلان
_لكي يعظّم العريس ابنتك ويكرمها يجب أن يكون مهرها غاليا
_المرأة ضلع أعوج فامنعها من التعليم والتعلم ومن مخالطة صديقاتها ومجالستهن
_إذا تكلمت مع أطفالك بلغتهم الأم فسوف تفرض عليهم أن يكونوا مثل ماأنت عليه الآن
_إذا ألبست طفلك الدشداشة فإنك ستعرضه للإهانة من جانب أقرانه وستضعف شخصيته ويصاب بعقدة نقص لأنه لم يواكب الموضة
_حَشْرٌ مَعَ النّاسِ عِيْد، ارض إن رضوا وارفض إن رفضوا
_صل من وصلك واقطع من قطعك و من لم يحسبك تاجاً على رأسه فلا تحسبه حذاء في رجلك
_إن لم يكن لك صديقات للهوك فأنت رجل متأخر وإفراطي
_إذا خرجت من البيت مع أهلك فلا بأس أن تتجمل النساء لأننا في قرن الواحد والعشرين
_استمع إلى الغناء و لتتقن فنّ الرقص فإن في ذلك علاجاً للنفس
_لا تمنع بنتك أو أختك أو زوجتك من محادثة الرجال الأجانب والضحك معهم فإن ذلك من علامات الوعي وأوسمة التنوير
_شرط التزويج أن تكون صاحب عمل راق و سيارة و بيت مزخرف وأن تقيم الحفلة في قاعة كذا و تدعو هذا وذاك و…أما الدين والخلق فذاك أمر يخص زمن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم

يقول الكاتب وهيب عبدالمجيد :
” الخروج عن عادات المجتمع ليس سهلا بل يتطلب تضحيةو عزيمة قوية و إرادة لأن الشخص سوف يلاقي معارضة صلبة من المجتمع، فالمجتمع يميل إلى الاستقرار بما هو عليه ويخاف التغيير وعواقبه لكن (لابدّ دون الشهد من إبرة النحلِ) لأن بعض العادات قد تكون عائقا أمام التفكير والطموح وبلوغ مراتب الكمال”.

فالهدف الأساسي والغايةالقصوى من هذا المقال البسيط معرفتنا بأن ما نعانيه اليوم سببه الابتعاد عن الدين أولاً ومن ثم التمسك بوهم العادات والسنن الباطلة. فينبغي أن يكون كل واحد منا جنديا لمقارعة الجهل حسب مقدوره ولنبدأ من بيوتنا و لا نفرّط في ذلك فإن ثقافتنا على حافة الضياع والهلكة.

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات