هل معظم الأهوازيين مرضى لغوياً؟؟؟/ سعيد بوسامر

هل معظم الأهوازيين مرضى لغوياً؟؟؟/ سعيد بوسامر
  • سعيد بوسامر
    يوليو ٢٠٢١

الطلاقة في التحدث كانت ومازالت من أهم الصفات عند العرب. يقول الجاحظ في البیان والتبیان إنّه ليس في الأرض كلام هو أمتع، ولا آنق، ولا ألذّ في الأسماع، ولا أشدّ اتّصالاً للعقول السليمة، من طول استماع حديث الأعراب العُقَلاء الفُصَحاء والعُلَماء البُلَغاء.

بالطلاقة إننا نقصد عذوبة النطق التي تضمن التواصل السليم وترتبط مباشرة بالذكاء اللغوي لدى الفرد والذكاء اللغوي أحد أنواع الذكاءات التسعة التي تشكّل نظرية عالم النفس الأمريكي هوارد جاردنر. يعرّف الباحثون الذكاء اللغوي بأنه القدرة الفعالة علی استخدام اللغة في تحقیق أهداف معینة، مثل التعبیر عن النفس وفهم المعاني والاستماع الفعال وتذكر المعلومات والتعبیر عنها وأیضا التحدث بطلاقة وفاعلیة. في هذا الشأن حاولنا اختبار الذكاء اللغوي أو قياس الذكاء اللفظي من خلال اختبار طلاقة اللسان وعذوبة النطق( باللغة العامية السليمة) على ١٦٣ فردا من الأهوازيين( ٧٥ من الذكور و٨٨ من الإناث ) في الفئة العمرية بين ١٩ إلى ٢٣ عاما، فطلبنا منهم أن يتحدثوا عن موضوعٍ شرحنا تفاصيله دون انقطاع ودون خلط مفردات أو عبارات فارسية لثلاث دقائق. بعد إدارة البحث وجمع وتحليل وتفسير النتائج أظهرت النتائج أن نسبة الطلاقة عند العينة المستخدمة بلغت نحو ٣٠ بالمئة مما تشير إلى ضعف واضح في الذكاء اللغوي لدى الأهوازيين. استطاع ٥٤ فرداً من العينة( ٤٣ من الذكور و ١١ من الإناث) أن يتحدثوا عن الموضوع المناقَش وفق قواعد منهجية واستخدام مفردات جيدة تضمن التواصل السليم مع المخاطب أي كان تدفق الكلمات لديهم طبيعيا إلى حد كبير. أما النسبة المتبقية (أي نحو ٧٠ بالمئة من العينة) فكانت ضحية اضطرابات لغوية كالتلعثم والتأتأة أو عدم تهجّى الكلمات بدقة، خلط الموضوع بمواضيع أخرى غير مرتبطة، اللجوء للمفردات الفارسية، الصعوبة في إيجاد المفردات المناسبة، النطق بجملات غير متماسكة، والتحدث بعبارات فارغة تفتقر إلى أي معنى.

تثبت هذه النتائج أن معظم الأهوازيين مرضى لغوياً بمعنى أنّ لديهم اضطرابات لغوية عند التحدث والتواصل السليم مع الآخرين شفوياً فلا يستطيعون أن يتحدثوا لدقائق (أو حتى لثوانٍ في بعض الأحيان) بلغتهم العربية الأم على الرغم من معدل ذكائهم الطبيعي وسلامة بقية المهام والقدرات فيهم.
بالطبع الأسباب التي تؤثر في تضعيف الذكاء اللغوي كثيرة نطرح ثلاثة منها هنا، فإذا وضعنا الفروق الفردية جانبا هناك:
الف) البنية المعرفية السابقة والتي تأتي من القراءة والاستماع للحوارات المفيدة وهذه ما تفتقدة معظم الأسر الأهوازية فعملية المعرفة وتطويرها شبه معدومة في الأسرة العربية وتُعوّل الأسر غالبا ما على المدرسة والنصوص المدرسية باللغة الفارسية التي قلّما يفهمها الأطفال.
ب) ذكاء الفرد اللغوي يرتبط بالظروف المحيطة ودرجة احتكاكه بالناس وتفاعله الاجتماعي. ينبغي أن تبعث البيئة التي يعيش فيها الفرد روح الثقة بالنفس، والمشاركة في الحديث مع الآخرين بعيدا عن الاستهزاء والسخرية.
ج) التذبذب بين اللغتين العربية والفارسية وعدم اتقان كل لغةٍ على حِده. التذبذب يحدث حالة من الضياع والتشتت في ذهن الفرد مما يعسّر عملية النطق بطلاقة. لم يتقن أغلب الأهوازيين اللغة العربية السليمة فتراه يمزج بينها وبين الفارسية للتعبير عن نفسه وهذا يضر بلغته العربية لا محال. إنه لا يتقن الفارسية أيضا ليعبر فيها عن رأي أو خطاب يدور في ذهنه لذا تراه ضيّع المغنمين. نحن نعي أن تعلم أي لغة مفيد للعقل لكن هذا ليس معناه أن نتعلم لغة جديدة وننسى لغتنا أو نخلط بين هذه وتلك ولتكن كل لغة في مكانها ومكانتها.
الذكاء اللغوي مهم جدا لاشك أن التفكیر عند الفرد یرتبط بذكائه اللغوي ویمثل هذا الذكاء أكثر من 80% من نسبة نجاحه في التعلّم ومن دونه یصبح التعلیم المدرسي والجامعي محبطا كما یرتفع معدل الفشل لدی الأفراد بشكل كبیر علی الرغم من كفایتهم في الذكاءات الأخری ( الاحصائيات الرسمية تؤيد الفشل الدراسي في الأحياء العربية). أيضا أثبتت الدراسات أن 85% من ذكاءات الفرد في الحياة كالذكاء العاطفي، والذكاء المنطقي الرياضي وغيرها تعود إلى تواصله اللغوي.
إذن من منطلق أنّ معرفة المشكلة وتحديدها أهم نقطة في حلّها ينبغي إعمال المطلوب سريعا على ضعف الذكاء اللغوي بغية تحسينه لدى الأهوازيين وهناك أساليب عدة لهذا الغرض نشير إلى بعضٍ منها:
*الاستماع وتعويد الأذنين على الخطب والحوارات والأخبار والأفلام العربية حيث تتضمن مفردات وأساليب لغوية حديثة
*القراءة أو الاستماع للقصص العربية المتوفرة في الكتب وفي الشبكة العنكبوتية،
* تحفيز الدماغ من خلال حل الألغاز اللغوية
* التحدث عن موضوع محدد أي تنفيذ حلقات نقاشية في الأسرة وبين الأصدقاء
*اهتمام الأسرة بقراءة القصص العربية لأطفالهم عند النوم
* حث الأطفال على حفظ سوَرٍ من القرآن الكريم وأيضا حفظ الأناشيد العربية وقراءتها أمام أفراد الأسرة والأصدقاء
* تفعيل وتنشيط القنوات العربية للصغار والكبار.
كل هذه تعمل على معالجة المرض اللغوي المتفشي وتحسين الذكاء اللغوي وتعزيز مهارات الكلمة بشكل ملحوظ لدى الأهوازيين.

@saeedabusamer

المصادر التي استخدمها الباحث:
-Nadereh, Shabib asl.(2015). The impact of storytelling on verbal intelligence of preschoolers in Ahwaz. J.Appl. environ. Biol.sci, 5(11s)839-843.
-Ramsden, Sue &others.(2011).Verbal and non-verbal intelligence changes in the teenage brain.
-بوسامر، سعيد. أنا لغتي. نشر قهوة، الأهواز ٢٠٢٠.
-جواد، حنافي. نظرة في الذكاء والذكاءات. نشر في: www.alukah.net
-الذكاء اللغوي عند الأطفال منشور في:
www.supermama.me/posts/الذكاء-اللغوي-عند-الأطفال
-محمد، أسماء. تنمية الذكاء اللغوي للصغار والكبار. مارس ٢٠٢١.
-يوسف، معاذ. دليل الطالب الشامل للتعامل مع أنواع الذكاء المختلفة. ٢٠٢٠. نشر في:
www.arageek.com/edu/student-intelligence-directory

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات