كثرت في الأعوام الأخيرة المؤلفات الأهوازية في مجال كتابة التاريخ إذ يمكن اعتبار الحقل التاريخي ثاني أهم حقل يعمل ضمنه الأهوازيون بعد الأدب مما يدل على وعي بضرورة معرفة الماضي في سبيل تكريس الهوية.
وبالرغم من أن المؤلفات الأهوازية الصادرة في هذا المجال تشكل قفزة في العدد والجودة مقارنة بالماضي لكنها تستخدم مناهج في كتابة التاريخ لا تَمُتّ إلى المناهج المعاصرة بصلة.
ويمكن وصف المنهج الذي يتبعه الأهوازيون بالمنهج التقليدي من سماته السرد والتأكيد على دور الحكّام والنخب وأولوية العمل السياسي في الكتابة
غير أن هذا المنهج أصبح منهجاً تجاوزته المناهج الحديثة التي ظهرت في أجواء كتابة التاريخ منذ بداية قرن العشرين مما يعني أن ثمة هوة منهجية عمرها 120 عاماً تفصل المناهج التي يتبعها الكاتب الأهوازي عن تلك التي تسود الكتابة التاريخية في بقية أرجاء العالم.
فماذا هي تلك المناهج الحديثة؟
إلى جانب المنهج الماركسي الذي أعطى نمط الانتاج الدور المركزي في صناعة التاريخ والتركيز على التفاعل بين الطبقات الاجتماعية وكذلك التأكيد على التعامل بين البنية التحتية ذات الطابع الاقتصادي وبين البنى الفوقية (من ثقافة واجتماع وسياسة) حسب ألتوسير فإن ثمة مناهج أخرى عملت على تطوير حقل الكتابة التاريخية منها مدرسة الحوليات التي تأسست على يد لوسيان فيفر ومارك بلوخ وطورها بروديل حيث أخذت الكتابة التاريخية أبعاداً جديدة تدرس ثلاثة مستويات وهي
– زمن المُدد الطويلة( منحى التغيرات الديمغرافية والمناخية) وتقلباتها
– زمن المدد المتوسطة(تاريخ الاقتصاد والمجتمع)
– وزمن المدد القصيرة(الحروب والمعاهدات)
حيث مكنتهم تلك الأدوات من أن يبينوا داخل حقل التاريخ طبقات رسوبية متباينة.
وفي هذا السياق برز المنهج البنيوي الذي حاول ليفي شتراوس أن يثبت أن التاريخ ساكن نسبياً، لأن العقل البشري واحد في جميع العصور، حيث إن كل عقل مبرمج وليس هناك فرق جوهري بين العقل البدائي والعقل المتحضر من خلال دراسته لثقافة الشعوب و أيضاً الرد على النظرية القائلة بتقدم المجتمع البشري بصورة متدرجة من الأدنى إلى لأعلى بل هو شبيه بحركة فرس الشطرنج.
لتظهر بعدها في النصف الأخير من القرن العشرين مدرسة مابعد البنيوية وليأتي ميشيل فوكو ليعتبر التاريخ ليس خطياً أي مترابطاً فيما بينه ويتم التنبؤ من خلاله في المستقبل وإنما تحدث انقطاعات يتغير فيها الخطاب السلطوي والتشكيلات الخطابية التي يكون الشعب موضوعاً لها بقدر ما تكون الحكومات موضوعها وكذلك تأكيده على دراسة الوثيقة من خلال المنهج الأركيولوجي أي دراسة الأرشيف المعرفي للمستشفيات والسجون والمصحات وغيرها.
إذن من أهم المفاهيم التي تطرحها كل تلك المناهج على اختلافها هي:
1- التأكيد على البيئة مقابل الفرد
2- التأكيد على علم الاجتماع والاقتصاد والثقافة مقابل السياسة
3- التأكيد على الشعب مقابل النخبة
4- التأكيد على عدم وجود خطة شاملة للتاريخ.
في النهاية كل هذه المناهج غابت على الكاتب الأهوازي بكتابة التاريخ رغم جهوده المشكورة لكن هناك ضرورة للعودة إلى هذه المناهج أي دراسة الماضي بأدوات حديثة معاصرة لمعرفة العقل العربي الأهوازي وآلياته والمؤثرات فيه لتكوين وعي تاريخي( أي القدرة على تحديد الحاضر ومعرفته من خلال تمييزه عن الماضي وعن الآخر.)