فالأفلام الخليجية حقا أن مواضيعها تتفوق على مستوى دراستنا الأكاديمية، والمصطلحات المستخدمة بها و الأيدولوجيات القائمة، غريبة عن حياة المرء الأهوازي أو الإيراني بشكل عام؛ فهناك من يتكلم عن الإلحاد و هناك من يتكلم عن تأثير الغرب بحياة الغرب العربي و دخوله للأوسط الشرقي، و من يتنكر و من يدافع و من ينهي.
يبين إعلامهم للمتابعين السياسات المتخذة ضدهم ويعالج بعضا منها و يحارب البعض الآخر. لذاخرج الإعلام الخليجي من شكله الكلاسيكي البدائي القصصي؛ لكن ما نجده اليوم بالأفلام الإيرانية بشكل عام _المسلسلات الفارسية و العربية حديثا_ هو النوع الكلاسيكي القصصي المتداول منذ نشأة السينما و التلفاز، و ليست هناك لمسة حديثة تثير الجدل العميق حول المضامين و المصطلحات و المكاتب الحديثة التي تنهش الجسم الاهوازي الخاوي فكريا، و النامي بشهادات جامعية لا ترشد عقله و لا تقوي ضعفه و لا تضيء دربه ولا تمده بالعزم و الحزم لنصرته…
أما عما صدرت من أعمال تحت مسمى “أعمال ثقافية حرة” من النشطاء الأهوازيين، و المسلسلات العربية بالأعلام الحكومية ما رأيناها في التلفاز ؛ فلا شيء هناك يروي العقل قبل البصر، و لا شيء يثير إعجاب المتابع إلا التعطش لرؤية الأعمال العربية، هناك من يثير الجدل عن الفن والشعر وهناك من يقوم بكامرات خفية تجس نبض بعض التقاليد والمبادئ، فالأولى تفصح عن أمور لا تغني ولا تزيد إلا القليل إن أرادنا المجاملة، والأخرى حديثة في الشارع لكنها للمرة الثانية وكأنما عتقت على أنظار مشاهديها، والمثال على ذلك البرامج و الأفلام التي حضرناها في شهر رمضان الأخير وافتقارها فنيا و علميا. أما هناك عمل يبحث عن ازدهار معرفة الأهوازي بتأريخه كان أكثر نجاحا وأدق اختيارا بما يحتاج إليه الشارع.
الضعف الفكري في الأهواز في أدنى موقعه، حيث المرء الأهوازي لا يستطيع أن يناقش أمرا جللا قد حدث إلا عن طريق الإعجاب أو عدمه..
على سبيل المثال، انظروا الى تعليقات المرء الأهوازي تحت المنشورات التي تثير الجدل، فليست إلا: أحسنت، كفو، مرفوض، لا نتقبل، شكرا، تسلم.
لا يستطيع الفرد الأهوازي دخول بحث بعمق، إلا وتتطرق إلى الهوامش والعواطف والتعصبات والجهات والأحزاب وماشابه ذلك من أمور لا تنفع بل تضر ولاتغني بل تفقر. وما يشهد على ذلك البرامج والأفلام التي شاهدنا في تفتقر فنيا
كل ذلك بسبب ابتعاد الأهوازي عن الفكر و ليس الكتاب فحسب، فعدم قراءة الكتب التي تحمل دراسات حول مجتمعات ضعيفة أو مغلوبة على أمرها، أو مجتمعات تضاهي ما هو فيه من محنة وكرب، والذهاب الى قراءة الروايات العاطفية التي تزيد من التعطش الجنسي العاطفي بدلا من معالجتها، وهروب عقل الكاتب في كتابته إلى مجتمع خارج الأتمسفر الأهوازي بدلا من التمعن في رواية تقص نفسها أمام أعينه في الشارع، القراءة عن الأشخاص بدلا عن الأفكار، والأحداث بدلا عن الاسباب، قص الحدث بدلا من تحليل وتفسيره.
ما نعاني منه اليوم قلة الفكر وكثرة الجدل، ضعف المطالعة وقوة الجهل، ووسع الفجوة بين الكتاب والمرء الأهوازي وتقارب اللحم و الدم بين الهاتف الذكي و المرء الأهوازي؛ فعلى المخرج الأهوازي(ان صح القول فيه) أن يقدم الأفكار حرفيا وبصورة شفافة للفهم، وقابلة للتمعن وجامعة وقصيرة بنفس الوقت؛ وعليه باستخدام الناشط والمثقف والكاتب والقارئ في برامجه ليقدم شرحا أو ملخصا من أي كتاب يقرؤه بشكل فيديو قصير للمجتمع ليحبب لهم الكتاب و ينقل فكرته ويقرأهم إياه بلسانه و رؤيته واقتباسه منه. فبعد ما رأيناه في عصر هذا الوباء الخبيث(كورونا) من طرق تعليمات مدرسية وجامعية وتقديم الاختبارات عبر العالم الافتراضي حصلنا على تجربة مجانية بكيفية التعليم عن بعد و تقديم الأفكار و أيضا معرفة دور الإعلام في التثقيف و التربية و التعليم و التدريس و التنبية إلخ. فلا مفر عن تقديم الأعمال النافعة إلا أنانية بعض الأفراد باصرار وجودهم لملئ الشاشة للحصول على الشهرة الوهمية وعدم استخدام الأنفع منهم بتقديم برامج قد كان عنوانها أكبر وأعظم مما رأيناه منهم.
الذكي اليوم ليس من يقدم فحسب، بل بما يقدم و كيفية تقديمه.
ميلاد بو عمران