نزعة الالتحام باللغة الفارسية عند المرأة الأهوازية/سعيد بوسامر

نزعة الالتحام باللغة الفارسية عند المرأة الأهوازية/سعيد بوسامر
  • سعيد بوسامر
    الأهواز/ديسمبر ٢٠٢٠

صفعت إبنها الصغیر في المدرسة حین طلب شیئا منها بلغته العربية قائلة” فارسی صحبت كن” أي تكلم بالفارسیة! موقف كثر ما شاهدنا مثلهِ في الأهواز. ربما نتفهم فعل الأم هذا رغم غرابته، فتصرفها هذا یأتي من خوف وهمي عمیق علی مستقبل الطفل داخل المجتمع الإيراني الذي تحكمه لغة واحدة والذي یصنف الأفراد علی أساس التمییز اللغوي والثقافي وهو تصنیف سطحي جائر. بهذه العقلیة المتخلفة تتم عملیة نزع اللغة العربية في الأهواز علی ید الأهل ودون وجود ضغط علی ذلك أساساً. فیحدث إنك تری هذه النزعة متفشیة عند *البعض* بل یتم تقدیسها والإعلام عنها في حین أنها ضربة قاضیة لإبادة ثقافة ما. نعم بالفعل إنها ضربة قاضیة مادمنا نظن أن تعلم اللغة الفارسیة دون العربیة شرط الذكاء والتفوق. علینا أن نعي جیداً أن الفارسیة مجرد لغة ولیست دلیل علی تعیین مستوی الذكاء فالطفل قادر علی تعلم لغات متعددة وتعلم أي لغة لا ینفي تعلم الأخری أو شطبها، كما أثبتنا في كتاب “أنا لغتي” بأنّ تعلم الفارسية أو أي لغة أخرى بعد إتقان العربية(لغةً وثقافةً) في السنوات الأولى من حياة الطفل ينمّي الذكاء، التركيز، الانتباه ويوسّع الخيال ويساعد الطفل بالنهوض والاعتزاز بنفسه وتاريخه وهويته.


لسوء الحظ، إنّ عنصر النساء أكثر تأثرا من عنصر الرجال في قضية الابتعاد من اللغة الأم، مما يثبت هشاشتهن أمام اللغة الفارسية والنزوع إلى التماهي مع الثقافة الفارسية في المجتمع الأهوازي، هذا لأن المرأة أكثر عاطفة وتأثرا من الإعلام السمعي والبصري. فإذا لم تكن هناك مبادرات نخبوية للحد من هذه الظاهرة ستكون عواقبها كارثية ومدمرة للثقافة العربية في الأهواز. تفید ملاحظات میدانیة عدة في المجتمع الأهوازي الحدیث أنّ عدداً لیس بقلیل-النسبة تختلف حسب المكان-من الفتیات الأهوازیات یتعاطفن مع اللغة الفارسیة أكثر من تعاطفهن مع اللغة العربیة، ولهذا تنعكس هذه الحالة السلبیة إلی أجیال الحاضر والمستقبل في المجتمع الأهوازي ولسوف ينشأ جيل لا يعير أي انتباه لهويته. تفید الملاحظات أن عدداً كبیراً من الأهوازیات المتعلمات یعطین مكانة أعلی ورتبة اجتماعیة أرقی للغة الفارسیة وثقافتها. ركزنا البحث علی هذه الإشكالیة حتى نتأمل واقع اللغة العربیة تأملا سریعا في سیاق مهم ألا وهو التعلیم الجامعي وقورن استخدام اللغة الأم العربیة في سیاق التواصل الشفوي والكتابي عند النساء والرجال في جامعتین في مدينتي الحمیدیة والخفاجیة وذلك من خلال ملء استبانة خاصة وبعد إستقراء الآراء توصلنا إلی نتیجة تشیر إلی وجود نسبة انزیاح من اللغة الأم عند الفتیات أكثر من الشباب(استخدم في البحث ٩٨ طالبة/طالبة من طلاب جامعة بيام نور)، بمعنى آخر إن نسبة استخدام اللغة العربیة عند الذكور أوفر حظاً من الإناث.
لامراءَ أنّ هذه النتیجة لیست لصالح الثقافة واللغة العربیتين في الأهواز، وتظهر مدی الإعجاب النسائي باللغة الواردة وبما أن المرأة في الأسرة لها الدور الأكبر في تنشئة الأطفال ورسم ملامح المستقبل، ستؤثر مباشرة علی انفصالهم عن لغتهم الأم وهويتهم العربية(تقضي المرأة معظم وقتها مع الطفل ودماغ الطفل يتلقى المعارف والمعلومات منها حينما يبلغ عامه الثاني، وعندها تبدأ مهارة التقليد لدى الطفل بشكل مدهش فيحرص كل الحرص على تقليد تصرفات وأفعال ولغة الأم).
في السیاق ذاته یشیر الذوادي إلی المرأة العربیة المغاربیة المتعلمة ویقول إنها تمیل إلی خلط عامیتها العربیة بكلمات وعبارات فرنسیة أكثر من رفيقها المغاربی (الرجل) وذلك لأن استعمال الفرنسیة كلغة الحداثة والعصرنة والوجاهة الاجتماعیة(prestige language) أصبحت أداة رمزیة بواسطتها تحاول المرأة التونسیة والمغربیة والجزايریة المتعلمة أن تعايش ولو خیالیا ملامح روح الحداثة التي تحرمها منها مجموعة من التقالید الاجتماعیة العربیة. في الأهواز أيضا تجهد الفتاة الأهوازية أن تتحلي بالثقافة الغالبة لتواكب الانفتاح الموهوم وتتخلى عن ثقافتها ولغتها وعمّا تسميه تخلفاً! هذا الهروب سيحطم اللغة العربیة، وكل المجد الذي یختبئ وراء هذه اللغة شیئا فشیئا وقد سمعنا الكثیر من الأصوات المنادية بترك اللغة العربیة والتشبث باللغة الفارسیة دون إعطاء أسباب ودراسات علمیة. ولقد أثبتت أغلبية الدراسات والبحوث في ال ٥٠ سنة الماضية أرجحية تعلم اللغة الأم على أي لغة.
لاتزال اللغة الفارسیة تقترن في أذهان البعض بالتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي وبالشعور النفسي بالحداثة لكن كما أسلفنا إن الفارسية مجرد لغة ولا علاقة لها بالحداثة ومیل البعض وخاصة الفتيات إلی هذه اللغة وهذه الثقافة مردّه الأساسي إلى:
الف)عقدة النقص
ب)التنشئة غیر العلمیة
ج) ضعف الأبوين، النخبة، والمؤسسات التربویة الملحّة علی تنشئة وتربیة عربية وتوفير الأمن اللغوي في الأهواز
ينبغي أن نكون يقظين بأنّ اللغة العربیة في الأهواز تجري إزاحتها من الحیاة الیومیة خدمةً للفارسیة نطقا وكتابة وذلك بسبب الإعلام الخاطئ ضد اللغات الأم وبأنّ هذه اللغات سبب التخلف وإنها تعیق عملیة التعلیم (الأمر الذي أُثبِتَ عكسه). على المرأة الأهوازية أن تعي بأنّ اللغة العربیه كلغة أم لا تعيق عملية التعليم، بالعكس إنها تساعد دماغ الطفل على فتح الشیفرات المتعدده المختصة بثقافات ولغات أخری مما يتيح للطفل أن يكون أكثر نشاطاً في تعلم اللغات الأخرى وفي العلاقات الاجتماعیة أو التواصل مع الآخرین . وأيضا على المرأة الأهوازية الأميّة/المتعلمة/المثقفة/الناشطة/الكاتبة أن تعلم بانّ اللغة العربیه لغة لها تأثيرها الكبير في العلم الحديث وإنها لغة ذات عبقریة متفردة وسلیقة فذة ولغة مقدسة لا تضاهيها أي لغة أخرى. فمنزلتها وسبب بقائها في تراثها العریق وأنها لغة وسعت كتاب الله وفي درجة ثانیة أنها أثرَت الأدب العربي ولمعّته في العالم بأسره. إذن التربیة الصحیحة والمستدامة للطفل الأهوازي والتي تساعده بالنهوض والاعتزاز بنفسه وتاريخه وهويته ينبغي أن تكون على أساس ثقافته ولغته الأم وعلى يد الأمهات الأهوازيات في الدرجة الأولى.

المصادر التي راجعها الباحث:

بعلبكي، رمزي منیر وآخرون. اللغة والهویة في الوطن العربي: إشكالات تاریخیة وثقافية وسیاسیة. بیروت: المركز لعربي للابحاث ودراسة السیاسات، 2013.

بوسامر، سعيد.أنا لغتي: دراسة عن اللغة الأم وتنميتها في الأهواز. نشر قهوة، الأهواز، ٢٠٢٠.

الذوادي ، محمود. الفرنكوآداب الأنثویة في لبلاد المغربیة. دراسات عربیة، العددان 3-4، فبرأير 1996.

Rocas, S &Brewer M,B, 2002. Social identity complexity. Personality and social psychology, review, 6, 88-106.

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات