مقدمةٌ في الـشـاعــر الأهوازي ضـيـاء الـديـن الـخـاقـانـي/ سعيد إسماعيل

مقدمةٌ في الـشـاعــر الأهوازي ضـيـاء الـديـن الـخـاقـانـي/ سعيد إسماعيل
  • حـيـاتـه

ولد الشاعر والمؤرخ والمفكر ضياء الدين عبد المحسن في المحمرة من الأهواز (1933م -2008م) في أسرة ترعى العلم والأدب كابرًا عن كابر، فتربى في أجواء يكتنفها العلم والأدب، أخذ في بداية نشأته مبادئ اللغة عن أبيه ثم «انتقل إلى النجف وعمره 12سنة، ودرس به برعاية شقيقه العلامة الشيخ سلمان الخاقاني، دخل المدرسة الرسمية وتخرج في كلية «الفقه»» (عبد الفتاح الصعيدي، 2002: 227). إنه كان يقرأ في علوم عدة حتى صار عالـمًا موسوعيًا يشار إليه بالبَنان، و«ارتاد النوادي الأدبية، وشارك بها وتفتحت ذهنيته بالشعر في هذا الجو الأدبي الرائع، عاد إلى «المحمرة» وصار أستاذاً للأدب العربي في ثانوية «الانتفاضة» العراقية» (المصدر نفسه: 227). ومن المعروف أنه في مناسبة بدْء العام الدراسي أنشد قصيدته المشهورة «فتنة العصر» في العام 1955م والتي على إثرها تم اعتقاله وتعذيبه بأشد الطرق، «ومن أقسى المواقف ربطه على الثلج من قبل الساواك، مما أدى إلى خلل في رجله، وهذه الحادثة أنتجت بعد إطلاق سراحه وإرساله للعلاج في بغداد». (طالب الرفاعي، 2009: 4). وبعد نقله إلى بغداد للعلاج نجا، لكن حصلت له إعاقة في رجله اليمنى وتلف في الرئـة رافقاه مدى الحياة، وفي مدة نقاهته في المشفى كان يفد عليه الأصدقاء من كل المشارب الفكرية والسياسية الأهوازية والعراقية والعربية وغير العربية، وكان قد طال علاجه «ليكون مسكنه المشفى في بغداد لأشهر وأيام حتى يعالج السل القاتل بعمليات الكي المباشر بثقب الصدر باتجاه الرئة، وكانت العملية هذه هي طريقة العلاج آنذاك. ليحدث الحدث الأروع في هذه المأساة، وهي قصيدة..ماري..التي باتت حلم أي فتاة بهذه القصيدة وهي قصة ممرضة مسيحية تشرف على مداواة أستاذنا». هذه القصيدة-ماري- تحولت إلى موضوع إنشاد لكل الشعراء وقتئذ وباتت ملحمة شعرية رائعة وصلت إلى أكثر من ألفين بيت.
بعد علاجه باشر نشاطه الأدبي والفكري حتى ذهابه إلى مصر لإكمال دراسته العليا في جامعة القاهرة، فــ«واصل دراسته الأكاديمية في جامعة القاهرة، وتخرج منها في كلية «دار العلوم» حاصلًا منها على شهادة الماجستير وكانت بعنوان «الأدب العربي في الأحواز»» (عبد الفتاح الصعيدي، 2003: 227). وهي تعد باكورة الاهتمام الجامعي بالأدب الأهوازي، وهذا كان في الستينات في القرن العشرين.
شارك ضياء الدين الخاقاني طوال حياته الثقافية في الكثير من المؤتمرات الأدبية والفكرية سواء كانت في الأقطار العربية أو خارجها، وكانت له صداقة حميمة مع المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) والشاعر الفرنسي فيليبان والفيلسوف جان بيرك، وقد شاركهم في مؤتمر بباريس عام 1980م.
بعد تخرجه في جامعة القاهرة استأنف نشاطه في العراق من جديد، و«انتمى لعضوية «جمعية الرابطة الأدبية» في النجف، ونال عضوية اتحاد الأدباء في العراق، واتحاد الأدباء العرب واتحاد المؤرخين العرب، وكان من رواد ومؤسسي مهرجان «المربد»» (المصدر نفسه: 227). تقلده للمربد يمكن أن يُحسب أكبر حدثٍ أدبي في حياته، حيث أن المربد كان أكبر مؤتمر أدبي في العالم العربي، يحضره جمع غفير من رواد الشعر العربي المعاصر من أمثال: محمود درويش ونازك الملائكة، ونزار قباني وسميح القاسم وسعاد الصباح ومصطفى جمال الدين وغيرهم من الشعراء.
سعى ضياء الدين جاهدًا أن يُبقي مؤتمر المربد على استقلاليته وإبعاده عن الأهواء السياسية، وقد استمر بنشاطه الثقافي والأدبي حتى بعد الغزو الأمريكي للعراق وقد توفي عام 2008م في بيته في مدينة البصرة.

 

  • آثـــاره

للشاعر ضياء الدين الخاقاني آثار كثيرة وفي حقول عدة، منها النقدية والفكرية والثورية ومنها الأدبية، وله مؤلفات قيمة جدًا في تاريخ الأهواز وعلمائه، وكثير من أعماله لم ترَ النور لأسباب سياسية، حيث منع النظام العراقي نشر أعماله، كما أن كتبه التي نشرت لم يتجدد طبعها، وتنقسم مؤلفاته بين الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة، ومنها:
١. موسوعة في تسع مجلدات كبيرة عنوانها، «أعلام ما بين النجف والمحمرة» وهي موسوعة شاملة في تاريخ الأعلام في الأهواز والنجف.
٢. كتاب «دائرة المعارف العربية في فارس» وهو مشروع كبير أنجزه في ثلاث مجلدات ثم واصل العمل في استدراك ما فاته، ليخرج في تسع مجلدات.
٣. كتاب مذكراته ورحلاته الكثيرة تحت عنوان، «أمواج الحنين»، والذي يصور فيه انتماءه وحنينه إلى وطنه.
٤. ديوان «ثورة الربيع» نشر عام 1971م في العراق بواسطة مطبعة مجلة الموانِئ.
٥. ديوان «من علَّم كارون الشعر» وهو ديوان اختص بشعره عن الأهواز.
٦. ديوان «كل عربي يقول» وهو ديوان يشمل هواجسه على مستوى العالم العربي.
٧. ديوان «دخلت خباء الحسناء» وهو ديوان في أمور شتى.
٨. كتاب «نحن وثورة الحسين» وهو كتاب فكري وسياسي صاغه برؤية حديثه.
٩. كتاب «دراسات في نهج البلاغة» وهو كتاب بلاغي.

 

  • أفــكــاره

ضياء الدين الخاقاني كان شاعرًا مفكرًا ومؤرخًا وكما هو معروف عنه كان يهتم بمسألة اليقظة في الأدب، وكان يتطرق إلى هذه المسألة في محاضراته وكتاباته، وقد ساهم في المأسسة للأدب اليقظ في الأدب العربي مع ثلة من رفاقه، كانت لديه هواجس وطنية وقومية وإسلامية، وهو لم يجد أي تعارض في كل هذه الهواجس إذ أنه كان ينظر لهذه الهواجس بعين إنسان متأمل بفلسفة الحياة، وهذه الإنسانية التي كان يحملها ضياء الدين الخاقاني جعلت منه شخصًا مقبولًا لدى الشخصيات المعاصرة له، فنشاطه المؤثر كان محل إعجاب الكثير من الأدباء، وأيضا له إسهام في تأسيس مؤتمر المربد في العراق ليجتمع فيه جمع غفير من الشعراء العرب الأعلام أمثال؛ عبد الله البردوني ومحمود درويش ونزار قباني ومحمد مهدي الجواهري، وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم ممن لهم قامة أدبية عالية، ضياء الدين الخاقاني بسبب هواجسه تعرض للسجن في عهد شاه محمد رضا المقبور، وكان قد عُومِل بعنفٍ شديد، لكنه ظل على مبادئه حتى آخر أيام حياته.

 

المصدر:
الهوية الثقافية في الشعر الأهوازي، سعيد إسماعيل، 2018م.

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات