1.تمهيد
کلمة التِّمَّن في اللغة العامية الأهوازية تطلق على الأرز وهو نبات حوليّ يُزرع في السُّهول المنخفضة المغمورة بشكل طبيعي بالمياه، يبلغ طوله أكثر من 50 سم، ويحمل سنابل متدلِّيّة ذوات غُلُف تُقَشَّر عن حَبٍّ أبيض أو أحمر صغير يؤكل مطبوخًا أو يصنع من دقيقه خبزًا يُسمونه “السيّاح” أو “التنگينه” أو “عيش تِمَّن”. و يعد التمن من الأغذية الرئيسة لأكثر الأهوازيين قديمًا وحديثًا.
قسم كبير من الأهوازيين يمتهن الفلاحة، وزراعة التمّن تعدّ من أهم أعمال الفلاحة في الأهواز، كان الانسان الأهوازي يهتم لزراعة هذا النبات منذ العصور القديمة، تطلق العامة على زارعي التمن “شَلّابة” الواحد شلّاب مشتقة من “الشلب” وهو ثمرة هذا النبات قبل أن تقشَّر. وأنواع التمن المعروف في القرن العشرين والتاسع عشر في الأهواز هي: العنبر، والمولاني، والحمر، والدورگ، وغريبة (نسبة إلى قرية غْريبة التابعة لمدينة الفلاحية)، وكاروني وأنواع أخرى.
هذا الارتباط الوثيق بين الانسان الأهوازي وزراعة التمن وحصاده وتهبيشه¹ وطبخه خلّف تراثًا أصيلًا انتقل إلينا عبر الأجيال، جيلًا بعد جيل حتى وصل إلينا، يشمل الأمثال والأنشودات والشعر الشعبي وغيرها من الأنماط التراثية. تقول امرأة في شعر النعي: (گلبي مثل بزرة شلب/ متسلسة ومابيها لب/ يا خوّة الوادم چذب)، وجاء في أحد الأمثال: (روّحت تاكل بحت ما روّحت مولاني) والمولاني ضرب من التمن كما ذكرنا، وكذلك: (ال ما يتعب ما يشرب فوح) والفوح ماء التّمّن بعد أن يفوح في القدر ويتم شخله، وكان يُعطى للأطفال كمنشّط. وهناك الکثير من الأمثال والأهازيج والأشعار التراثية المماثلة إلا إننا هنا نکتفي بهذا القدر لأنها لا تدخل في صلب موضوعنا.
وردت كلمة التمن في العديد من الدراسات التراثية واللغوية العراقية والأهوازية ولكن هذه الدراسات لم تقم بتحديد أصل هذه الكلمة، على سبيل المثال، موسوعة اللهجة الأهوازية التي هي أضخم عملٍ في مجال اللهجة الأهوازية لم تذكر أصل الكلمة. أو هناك من قام بتأصيلها بشكلٍ غير صحيح. هذه الدراسة بالاعتماد على منهجي التقابلي والتاريخي تحاول أن تحدد أصل كلمة التمن.
2. نقد الرأي الأشهر
أشهر رأي قيلَ في هذا الصدد هو أن التمن كلمة إنجليزية، وهناك قصة منشورة على نطاق واسع في المواقع والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي والصحف حول هذه الكلمة، يكتب عبد العزيز المحمد الذكير: «في محاولاتي وأسئلتي وزيارة بعض المواقع في الشبكة وجدتُ قولا تبنتهُ (الجامعة التكنولوجية) في العراق يقول: العراق هو البلد الوحيد الذي يطلق شعبه كلمة (تمن) على الرز والسبب يعود الى ايام الحرب العالمية اﻻولى عندما رفض اهل البصرة الوطنيون ان يمولوا قطعات الجيش البريطاني في البصرة بكميات من الرز تكفي لسد حاجة الجنود عندها كتب القائد البريطاني الى وزارة الدفاع في انكلترا ان يزودوهم بالرز. وفعلا تم ارسال كميات كبيرة من الرز الفاخر المسمى: بسمتي معبأ في اكياس يتوسطها خط احمر مرسوم عليه شكل كرتوني لعشرة رجال يمسك احدهم بيد اﻻخر وكتب تحت الرسم: Ten Men كان الجندي الانكليزي يقول للحمال العراقي عندما يأمره بتفريغ الحمولة من الباخرة Come on bring Ten Men وكانت لغة الجندي الانكليزي مدمجة فتقع في أذن العراقي (تم من) فظن العراقي ان هذه الكلمة معناها رز ومنذ ذلك اليوم وجميع العراقيين اصبحوا يطلقون اسم (تمن) على الرز. »².
ولكننا من خلال المنهج التاريخي اكتشفنا أن الأصل المذكور للفظة غير صحيح، فهناك منطقة تعرف باسم “أم التمن” في الأهواز، وردت في كتاب “سياحت نامه مسيو چريكف”³ المكتوب سنة 1860، وهذا يدلّ على أن الكلمة كانت متداولة في الأهواز قبل الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914م.
3. التمن في أمهات المعاجم العربية
بما أن الكلمة تتداول في البيئة العربية افترضناها عربية وقمنا بالبحث عنها في الأمهات من معاجم العرب. وخلصنا إلى ان كلمة التمن لم ترد في المعاجم العربية، والمعاجم التي خضعت لبحثنا هي كتاب العين للفراهيدي، وكتاب الجيم للشيباني، والغريب المصنف للهروي، وجمهرة اللغة لابن دريد، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحيط في اللغة لصاحب بن عباد، والصحاح للجوهري، والفروق في اللغة للعسكري، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، وفقه اللغة للثعالبي، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده، وأساس البلاغة للزمخشري، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، وتاج العروس للزبيدي.
4.التمن في اللغات السامية
بما أن الكلمة لم ترد في المعاجم العربية تحتمّ علينا البحث عنها في أخوات العربية نعني اللغات السّامية. وبعد مراجعة المصادر وجدنا أن التمن في اللغات السَّامية أو الجزرية أو العروبية – سمها ما شئت – كالتالي⁴ :
وفي ضوء ماتقدَّم يُمكن القول أن هذا النبات كان موجودًا في البيئة العربية منذ القدم فكلمة أرز موجودة بنفس اللفظ والمعنى في معظم اللغات السامية القديمة ألا أن مفردة التمن ليست سامية فلم ترد في هذه اللغات التي تتشابه في الكلمات⁵.
5. التمن في اللغات الفارسية والتركية والهندية والأردية
بعد التأكد من عدم ورود كلمة التمن في المعاجم العربية واللغات السامية، نفترض بأنها مأخوذة من اللغات الشرقية مثل الفارسية والتركية والهندية والأردية، لقد بحثنا في هذه اللغات فوجدنا أن التّمّن يُسمى في الفارسية: “برنج“⁶، وفي العثمانية: “پرنج”⁷ وتكتب بالتركية المعاصرة Pirinç⁸ ، وفي اللغة الهندية الرسمية चावल وتلفظ چاول⁹ ؛ وفي الأردية: چاول¹⁰ . فلم نجد ذكرًا للتمن في هذه اللغات.
6. أقدم ذكر للتمن في المصادر
وردت كلمة “التمن” في كتاب أحسن التقاسيم للمقدسي وهو رحّآلة مسلم ولد في القدس سنة 336هـ 947م، ونشأ بها احترف التجارة فكثرت أسفاره حتى صار رحَّآلة جغرافيًا. توفي في سنة 380هـ/990م. قال المقدسي عند حديثه عن الأهواز «ومن الإقليم في اللحم والسمك غير الأهواز اربعة أرطال ومن الخبز مكّىّ ومن الأهواز بغداديّ في كلّ شيء ونقودهم مثل المشرق الذهب بالدوانيق كلّ دانق ثمان وأربعون تمونة وهي الارزّة»¹¹ ونفهم مما اقتبسنا أن كلمة التمونة هي التمنّة أو التمنايّة في عامية الأهواز اليوم، ومعناها واحدة التمن أو الحبة الواحدة من التمن. ونستنتج أن الكلمة كانت متداولة في البيئة الأهوازية منذ 1000 سنة.
7. التّمّن في اللغة الصينية
وفي المرحلة الأخيرة افترضنا أن تكون الكلمة صينية، وذلك لأن الصين تعتبر المهد الأوَّل للأرز، وان اتصال الصين بمنطقة الشرق الأوسط عموما لم يكن معدومًا، فكان طريق الحرير التجاري يربط المنطقة بالصين، ويمتد هذا الطريق من شمال الصين إلى تركستان وخراسان ثم إلى العراق وسوريا وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط. بعد البحث عرفنا أن لهذا النبات في اللغة الصينة أكثر من اسم، نوردها في الجدول التالي:
وفي ضوء ماتقدَّم خلصنا إلى أنَّ القرب اللفظي والدلالي بين “دومي” و”تمّن” يدل على أن الكلمة الأهوازية ذات أصل صيني وهي تحوير “دامي” أو “دومي” وقد نطقوا الدال تاءً لقرب مخارج الحروف، فان الحرفين يخرجان من رأس اللسان إذا اتصل بأصول الثنايا العليا. وهذا الابدال موجود فلدينا التكان والدكان، وفي مدينتي عبادان والمحمرة يقولون: “تا أمشي” و “تا أروح” ويظهر هذا الأسلوب في اللهجة البغدادية بحرف الدال فيقولون: “دا أمشي” و “دا أروح. وفي اللغة الفصحى: “ ازدجر” والأصل ” ازتجر”، جاء في تهذيب اللغة: « ازْدَجَرَ كان في الأصل ازتجر فقُلبت التاء دالًا لقرب مَخْرَجَيْهما، و اخْتِيَرت الدال لأنها أليق بالزاي من التاء»¹⁶
النتيجة
يصل بحثنا المعنون بـ”محاولة في تحديد أصل كلمة “تِمَّن”” إلى النتائج التالية:
لم ترد مفردة التمن في المعاجم العربية.
إنَّ لفظة “التّمن” المتداولة في الأهواز والعراق ذات أصل صيني.
كلمة التمن متداولة في الأهواز منذ أكثز من 1000 عام وإن محاولة ربط هذه الكلمة بالجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى لا أساس له من الصحة.
اضغط هنا لتحميل المقال بصيغة PDF
- الهوامش والمصادر:
¹ ضرب الشلب بالمهباش لنزع قشوره، والمهباش هو مدق خشبي، أصل اللفظة تهبيج. جاء في العين للفراهيدي: «الهَبْج: الضرب بالخشب» (مادة هبچ)
² عبد العزيز المحمد الذكير، أصل كلمة تمن، صحيفة الرياض، الأربعاء 14 جمادى الآخرة 1437 هـ – 23 مارس 2016م – العدد 17439.
³ مسيو چركيف، ت: آبكار مسيحي، شركت سهامی كتابهای جیبی،ط 1، ص 135.
⁴ إلياس بيطار، النباتات السومرية والآشورية والبابلية، مكتبة لبنان ناشرون، د.ت، ص 30 .
⁵ أنظر أيضًا إلى ( حازم علي كمال الدين، معجم مفردات المشترك السامي في اللغة العربية، القاهرة، مكتبة الآداب، 2008م، ص 48).
⁶ محمد معين، فرهنگ فارسی معين، تهران، انتشارات ادنا، 1381 هـ.ش، ص 1/257..
⁷ محمد علي الأنسي، قاموس اللغة العثمانية، د.ت، ص148.
⁸ محمد كانار، فرهنگ جامع تركی استانبولی به فارسی، تهران،انتشارات شیرین، 1995م، ص 366 .
⁹ توفيق النصّاري، كلمات هندية في لهجتي الأهواز وعرب الساحل، ري، أذر فر، 2019م، ص 26.
¹⁰ ابراهيم محمد وآخرون، المجم الوسيط عربي – اردو، ت: ابن سرور محمد أوليس، وعبدالنصير علوي، لاهور، مكتبه رحمانیه، د.ت، ص 25 .
¹¹ المقدسي (990م)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003م، ص 310 و 311.
¹² http://translation.sensagent.com/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%AC/fa-zh/
¹³ http://translation.sensagent.com/%20%E7%B1%B3/zh-fa/
¹⁴ http://translation.sensagent.com/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%AC/fa-zh/
¹⁵ http://translation.sensagent.com/%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%AC/fa-zh/
¹⁶ الأزهري (م: 370 ق)، تهذيب اللغة، بيروت، دار احياء التراث العربي، ط 1، 2001م،ص 10/318 .