قلائد الرّحمة /زهراء لطيفي

قلائد الرّحمة /زهراء لطيفي

كالعادة سافرت زوجة فريد برفقة طفلها الصّغير البالغ من العمر سبع سنين إلى الأهواز لتزور بيت أهلها. تمضي معظم وقتها في الكويت وما إن تجد وقتاً مناسباً حتّى تحزم أمتعتها المملوءة بالهدايا وتغادر البلاد.


أما فريد فهو الرجل الأعمال الأهوازي الّذي تربى وترعرع في الكويت منذ نعومة أظافره ولكن ما كان هذا يمنعه من الحنين إلى بلاده والأماكن الّتي لها مكانة مميّزة في نفسه والوجوه الّتي رافقت طفولته وما إن ذكر تلك القرية الجميلة الّتي كان يغوص بين أدغالها ويتسرسح من أعلى تلالها حتى فاضت عيناه بالدموع وغمرت وجهه المكتنز.
أما الحياة البسيطة الّتي يحن إليها بين الحين والآخر فقد اخترقت شغاف فؤاده الرّهيف ونقشت ذكريات خالدة على جبين قلبه، لا يمحو بريقها غبار الأيام.
وعندما يفكر بزيارة مدينة الأهواز في وسط الضّغوط الكثيرة والحياة المزدحمة بالانشغالات لا يجد وقتاً لذلك، ويشعر دائما أن الوقت ضيق.

في مساء يوم الأربعاء عاد فريد من العمل وما إن جلس على الكنبة حتى غلبه النّوم، تمطى وهو يتثاءب ومدّ ساقيه مسندًا قذاله إلى الحائط، لم یستغرق وقتاً طویلا في النّوم حتّی فتح عینه وأذان المغرب یدوّي في الأرجاء بصوته المألوف.
قال لنفسه: أدركني الظّلام وأنا حتّى الآن لم أعدّ وجبة أفطر بها وما إن وضع قدمه في المطبخ الكبير حتّى اتّجه نحو الثّلاجة ليرى إذا ما كان فيها طعام، وعلى الرغم من امتلائها بالمواد الغذائية لكن تلك الأطباق المثلجة لم تعجبه؛ أو لعل تكالب عليه التّعب فلا يجد القدرة الكافية لتحضير وجبتي طعام.
اتجه نحو المسجد على أمل أن يجد طعاما؛ لأن أهل الخير في شهر رمضان يمدون مائدة الرّحمان لاستقبال الفقراء والمساكين وعابري الطّرق في المساجد. وبعد عشر دقائق من المشي السّريع وجد نفسه أمام المسجد، لكنّه تفاجأ بالحشد العظيم الّذي سبقه؛ ومن هناك استدار عائدا إلى المنزل ليرى رجلاً هندياً يقف أمام بوابة المسجد في حالة يرثى عليها. إنه لا يعرف من هذا الشّخص ولم يقابله من قبل، تقدّم نحوه وقد همّ أن يسأله هل حصل على وجبة طعام أم لا؟
ـ قال فريد معتذرا: بابا! أحصلت على وجبة طعام؟
ـ قال الرّجل الهندي بامتعاض شديد: لا، بابا!
ثم استرد فريد قائلا:
– أذن ماذا تفعل هنا؟
فقال الرجل بنبرة أرعشها الحزن والانفعال:
– بابا، لم يكن لي مكان بالداخل، لقد وصلت متأخراً.
فنظر إليه فريد وقال بحزن عمیق:
لا تيأس وقل قدَّر الله وما شاء فعل، هيا لنذهب معاً إلى ذلك المطعم سمعت أنهم يقدمون أطعمة لذيذة، ستكون بضيافتي.

عبّادان / محرم/١٤٤٣

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات