قصة “المحطة” /مهناز عبدالواحد

قصة “المحطة” /مهناز عبدالواحد

تعلو وترتفع أصوات المحرکات والحافلات، تعج بالمسافرین وهم يحملون حقائبهم عائدين من تلك المدن البعيدة. يسعون أو يبحثون علی اغتنام الفرص التي تتوفر لهم في أي لحظة في هذه المدينة.

جالساً في السيارة أتفحص وجوه الركاب واحدًا تلو الآخر، الذين ينتظرون الباص أو من ينزلون منه.
فبدأت قطرات العرق تنزل بغزارة علی جبهتي. مسحت وجهي بالمنديل، رغم أن الشمس صباحاً لم تزل تلسع بحرارتها، حاولت أن أشغل المکیف ولکنه لا يعمل ومعطل نهائياً.

_أیمکنك أن توصلني إلى شركة النفط!
أنا في عجلة من أمري

رفعت رأسي، نظرت إلی رجلٌ واقف أمامي، يرتدي سترة طويلة و سروالا أسود واسع وممسكاً بحقيبة الید.

_ اصعد
هرول مسرعاً فصعد إلی السيارة

فانطلقت بسرعة لأبتعد من ضجيج المحطة وأصواتهم التي تزعجني ولکني لا أستطيع الهروب وإني مضطر على العودة مرة أخرى إلی هذا المكان.

قال متسائلاً:
_هل لديك ماء بارد

فأومأت برأسي إيجابا
دوماً أحمل قنينة من الماء، فأخرجتها وأعطيتها له، سحبها من يدي و وضعها علی فمه، رفعها دفعة واحدة وشرب الماء کله.
تابعت مسيري في الطريق، ليس من عادتي أن أبقی صامتاً ولا أقول شيئاً، تطلعت إليه في المرآة و هو جالس في المقعد الخلفي.
فاستغربت!!
أقول في نفسي :
کیف يريد أن يذهب بهذه الملابس

هل يسمحون له!
ربما هو مسؤول في إدارة النفط
كلما أتذكر النفط يمتلئ أنفي برائحته، دون إرادتي، ماذا حصلنا منه، إلا دخانه!
فهم أيضاً لديهم شامة قوية و لکنهم حریصون يتبعون أنوفهم، وأينما يشمون رائحتها يرسون هناك، جففوا الهور لتسهيل مشاريعهم النفطية.

وهذه الأهوار والمياه کانت جنة في مناظرها المائية ومناخها المعتدل والطيور والأسماك التي تحولت إلی صحراء، فهو مصدر رزقنا نأکل من هذه الأرض ونعمل في هذه الأرض ولم يكتفوا بما نهبوا، فعادوا لسرقة مياهنا، روينا عطشهم ونحن أبناء هذه الأرض نموت عطشاً ونصارع کل يوم لأجلها.

طال سکوتنا فازدادت أوجاعنا، وارتفعت أصواتنا، فملأ الدنيا صراخنا، أليس هذا من حقنا!؟ ننتفض على من ظلمنا ولکن تلك الوجوه الجافة عادت بدورها مثل كل وقت آخر و قد أحاطوا بنا وأطلقوا رصاصهم القاتل، امتزجت رائحة البارود والدم وغطت الأرض بأكملها، فهم لم يريدوا أن يفهموا ذلك الصراخ و لایعرفون ماذا تعني لنا الأرض.
فکرت بأوجاعنا وصرخاتنا، فكرت بدماء الأبرياء والأرواح التي رحلت عنا

أفکار تدور في رأسي
و سرحت بأفكاري
فحین اقتربت من شركة النفط رأيت على طول الطريق عمارات ضخمة مجهزة بکافة الإمکانات المعيشية و الرفاهیة
ترتفع بسرعة و لم تزل تزحف و تلتهم أراضينا.

وقفت السيارة عند الباب الرئيسي‌‌‌؛
فقلت له:
_لقد وصلت، انزل!

عاد ينظر إلي
أشار بذراعه قائلاً
_لن أنزل هنا، يجب أن تدخل السيارة للداخل

_لديهم حراس ولم يسمحوا لي بالدخول، هل أنت مؤظف هنا؟!
إذا لماذا لم تتصل بهم؟
لیفتحوا الأبواب لنا
_لا ليس بعد و لکنني قريباً أتوظف هنا

لحظة کأنه تذكر شيئا
فأخرج رأسه الكبير
من النافذة و خاطب الحراس
_افتحوا الباب فأنا عندي موعد مع مسؤول

ظل یتکرر لهم اسمه.

أحد الحراس رفع السماعة وتحدث لدقائق عبر الهاتف، ثم هرول وفتح البوابة لنا، دخلت إلی الساحة و نزلت المسافر.

شعرت بثقل کبیر علی صدري أهذي مع نفسي :
أي عدل هذا، أصبحنا غرباء في أرضنا، نرکض وراء لقمة العيش ولم نحصل عليها، وهذه خبزتنا يسرقونها منا ونحن علينا أن نتحمل، و نكون راضين كلما أصدروا حكماً بحقنا وأن ونبقى صما بكما لا نتکلم.

تباً لكم
يا غربان الشؤم
عودوا من حيث أتیتم
مکانکم ليس هنا.



أنا مثقف الأهواز

تصنيفات