في الصيدليّة/نادر حميدي أبو أمجد

في الصيدليّة/نادر حميدي أبو أمجد

شاهدتها في الصيدليّة تتحدّث مع الموظّفة ونبرة صوتها فضحت شدّة مأساتها، ولكن تماسكت ومسحت دموعها بطرف (شيلتها) واستردّت قوّتها، وحاولت بكلّ جهدها أن تُفهم الموظّفة باللغة الفارسيّة أنّ نقودها قليلة، ولكن مخزونها اللغوي الفارسي لا يحتوي غير التحيّة والاعتذار، فناشدت الذين من حولها بأن يساعدوها في الترجمة.


تقدّمتُ قريبا وقلت:
تفضّلي يا حاجّة، هل أستطيع مساعدتك؟
قالت يا ولدي، جئت إلى الطبيب وعندي مريض وهذه الموظّفة تقول إنّ سعر الدواء خمسة ملايين ريال إيراني، وأنا لا أستطيع دفع كلّ هذا المبلغ لأنّ وضعي المادي لا يسمح لي، فحدثّها لتقلّل الدواء لعلّي أستطيع أن أسدّد.
فعرفت من نبرة كلامها أنّها من مدينة الخفاجيّة، قالت في حزن:
ليس لدي أيّ معارف هنا ووضعنا المادي مثل حظّي سيّئ.
ربّ البيت متوفّى و الناس تساعدني على إدارة حياتي المعيشيّة.
قلت لها لماذا لم تعالجي ابنك في الخفاجيّة؟!
قالت: يا خالة، لا يوجد عندنا أطباء جيّدون، والإمكانات هناك ضئيلة جدّا وليس لدينا مستشفى جيّد، وأرغمنا أن نتحمّل عناء الطريق إلى الأهواز، وأملنا الوحيد هو أن يشفى مريضنا. ولكن لحدّ الآن لم نجد لدائه دواء!
كلّ هذه الأدوية مجرّد تسكين؛ يقولون يوجد في إصفهان أطبّاء ماهرون وفيه مستشفيات حكوميّة جيّدة تتقبّل التأمين الصحّي وثمن العملية الجراحيّة فيها لا تعادل وصفة واحدة من وصفات أطبائنا في الأهواز، ولكن كيف أذهب إلى هناك وأنا لا ناصر ولا معين؟!

حدّثت الموظّفة بالفارسيّة ولبّت طلبنا وقلّلت الدواء، وقالت أصبح المبلغ ثلاثة ملايين ريال.
اندهشت المرأة وقالت:
ابني، كلّ ما أمتلكه وهي مساعدات الناس مليونان لا أكثر، من أين أدفع الباقي؟!
حدّثها هل تقبل أن أرهن بطاقتي الشخصيّة أو بطاقة التأمين الصحّي حتّى أدبّر باقي المبلغ بعد حين؟
ضحكت الصيدلانيّة وقالت باستهزاء : هذه البطاقات ليس لها أيّ اعتبار عندنا.

حاولت أن أساعدها، فتحت محفظة نقودي، لم أجد فيها غير مليون واحد، وأنا كذلك عندي مريض ووضعي المادّي لا يسمح لي بأن أساعدها أكثر من ذلك، فأعطيتها خمس مئة ألف ريال وقلت:
تقبّلي اعتذاري ليس معي أكثر. وتركتها وأنا أتابع رجفة يدها وتغيير ملامح وجهها وهي تستلم الخمس مئة.
وبقيت أحدّث نفسي كيف تدبّر باقي المبلغ وكيف تعود إلى بيتها؟!
ومن المسؤول عن هذا الفقر كلّه؟!

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات