إلاّ متى أُقنع نفسي بأنني مخلوق من طين.
حينما كنتُ صغيرا ، كلما رأتني أمّي ورأت مؤخرتي مغبرة، تقوم بتوبيخي … لماذا جلست على الأرض ولماذ اتسخ بنطلوني لماذا ولماذا…
بضربات قوية على مؤخرتي تزيل التراب وهي تقول :
– حينما تريد أن تجلس على الأرض إخلع نعليك واجلس عليها …
وكلّما تصل إلى نهاية هذه الجملة، تشتدّ ضرباتها ؛ بينما أقسم لها بأنني لم أجلس على الأرض بتاتاً .
وهناك أمر آخر يُنازع الطين في نفسي. لم يسمحوا لي بأن أنفخ في طعامي .
لن أنسى ذلك اليوم الصيفي. حيث اجتمعنا علی مائدة الطعام لوجبة الغداء. إنه ثريد البامية الساخن، وأنا جائع ، ثمّ إنها الوجبة المفضلة لدي…
أخذتُ لقمة بيدي ونفختُ عليها .
صرخت مُنى:
– أمي …انظري لربيع … رمى حُصى على صحني …
قلت لها دون مبالاة وأنا ألوك لقمتي:
– أمي إنها کاذبة…
جنّ جنونها، نهضت باكية تصرخ:
– سأخبر أبي.
نادتها أمّي لكنها ابتعدت غاضبة، لا يهمني تصرفاتها ولن تهمني، خطفت قطعة اللحم من صحنها وأكلتها متلذذا.
حين جاء أبي، كانت مُنى قد قصّت الحكاية عليه محشوة بالبكاء والصراخ.
ضربني أبي وقال: أعرف تفاصيل قصصك. وحذّرني من حمل الحصى والرمل في فمي. أقسمتُ له بأنني لم أحمل حتى حصى واحدة في فمي …
كنتُ في طفولتي أعاني من أمرین، لكن حين وصلت سن البلوغ، لم أكن مثل باقي أصدقائي، بعبارة أخرى، لم ينبت على ذقني شعر ولم يتغير صوتي ، وحتى أنني لم أحتلم . الشيء الوحيد الذي كنت أشعر به ، ثقل في جسمي وشوق شديد لهور العظيم.
والآن لا أدري كم أبلغ من العمر . لقد كبرتُ وأصبحتُ كومة من الرمل قائمة بذاتها وكلّما هبت تلك الرياح الترابية، أنهضُ مُلبي دعوة الهور لأنظم الی جيشه. تتطاير ذرات الحصى ورمل مني، تلاحق الأحداث بحماس وأحيانا بفتور ورأسي يُلامس السماء بحثاً عن نجوم الظهر.
يوم أمس حين كنتُ في سفري الأخير مع الريح إلى مسكني الأبدي في الهور، كانت مجموعة فتيات تعود من المدينة على شكل طيور مُحلّقة، باحثاتٍ عن أحضانهن. وأنا أسير في الطرق وأمامي الريح وتغريدة سرب الفتيات:
و بعد ذلک
كرهت كل الجبال
و كل الأشجار
كرهت كل شي یتوجد بحرف الحاء
الذی یتلفظ عطشه بلهجة.
سورة کارونی