عنكبوت الحسرات/ ثـامـر الـصـالـح الـهـلـيـچـي

عنكبوت الحسرات/ ثـامـر الـصـالـح الـهـلـيـچـي

ذات ليلة كانتا الروح و الهمّ قد تآلفا و خدّي متّكأً على يدي كما يتّكأ الملك الحزين على أريكته ،و أصبحت الصرخات تتعالىَ في داخلي شيئاً بعد شيء كصرخات صِبية قد أوجعت ظهورهم سياط جنود المحتلّ لوطنهم ، فقرّر فكري أن يسافر إلى حيث يشاء ، فركب الفكر قاربه المرقّع الّذي أصبح كعباءة الزاهد القانع بها رغم امتلاكها لكثيرٍ من الرقع و بعد معاناة كثيرة من الجهد للوصول والعبور سالماً من بحر اليأس المتلاطمة أمواجه إلى مدينة الذكريات وصلنا إليها أخيرا ، فذهبت أبحث عن منزل ذكرى لقائي مع الباقية صورتها أمامي والذاهبة جسماً و روحاً إلى حيث لا أدري .

فلم أزل أبحث عن منزل الذكرى حتّى ظننت أنّ المنزل يحاول الهروب منّي كما يهرب البُخل من الكرم والشكّ من اليقين، ولكنّ الّذي جلب انتباهي أنّه كلّما مررت بشارعٍ من شوارع المدينة و كان بهِ ممّن جاءوا مثليّ إليها يبحثون عن ذكراهم كلٌ منهم يردّد بهدوءٍ كلماتٍ بنكهة نشيديّة هما ؛

《الحبّ ثورة والثورة حب》
《الحبّ احتلالٌ لا يُبغَض》

فمن بعد ذلك أحسست أنّ هناك ترابط عميق فيما بين الكلمات و ما يدور في رأسي ، فأصبحت لا أخطو خطوة إلّا و تكبكبت على وجهي إلى الأرض لكثرة الأدمع الّتي تخرج من مساكنها كخروج الناس من أجداثهم يوم ينفخ في الصور .

حتّى وقفتا قدماى لا إرادياً والصمت أسدل ستائره هناك ،لم أتحرّك كوقوف طفل فطن عند قبر أبيه الشهيد ، فمرّت دقائق على هذه الحالة حتّى نظرت إلىَ ما حولي فإذا بي أرىَ منزل الذكرىَ و قد أُحيط بنسيج عنكبوت الحسرات و أتربة الجزع منتشرة عليه ، فطبعت الحيرة تجاعيدها على وجهي بعضاً من الوقت ، و قد عرفت أنّ الذكرىَ تأوّهت حزناً مع مُضي الأيّام لعدم مرور أحدٍ منّا بها فأصبحت فانية بعد ذهاب الموت للقاءها عِوَضاً عن وصالنا لها .

فلم يفت كثيرا من الوقت حتّى سمعت هاتفا يناديني ؛ يا هذا إعلم أنّ الّذي لم يتكلّم عمّا يجري لهُ في الهوىَ سِوىَ لنفسه سيموت كما تموت الذكرىَ الغريبة المكفنّة بنسيج عنكبوت الحَسَرات في منزلها الكئيب.

فَصَحَوت صَعِقاً ممّا رأيت و وجدت نفسي محاطاً بالأقرباء والكلّ قد عَلِموا بحكايات السفر لأنّهم قد قرأوا ما كتبت طباشير أحاسيسي علىَ سبّورت وجهي .

فأقسمت حينها بتوأمان الحرّية والحبّ اللّاتي وُلِدنا من رَحِم الإنسانّية ألّا أُلبِس ما يحدث لي في الحبّ ثياب الصمت و عدم البوح للآخرين .
و أيُّ حديثٍ أعذب من تغاريد الهوىَ .

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات