“ضرورة الإصلاح والتغيير في المجتمع الأهوازي “
ياسر زابيه
“بسم الله الرحمن الرحيم”
“إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”/ الرعد ١١
ليس التغيير إلّا وسيلة وصول لحياة سعيدة ينعم فيها الناس بالأمن و الاستقرار والعيش الكريم بعيدين عن كلّ مظاهر التخلّف ،وهذا لا يتحقق إلّا إذا قرّر الشعب أن ينهض ضد كلّ السلبيات التي تعكّر صفو حياته، وجميل ماقاله أبوالقاسم الشابي في هذا الشأن:
إذا الشّعبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فـلا بُـدّ أن يسـتـجيبَ القَـدَرْ
ولا بُــدَّ لِـلَّيـْــلِ أنْ يَـنْـجَـلِــي
وَ لا بُـدَّ لـلـقَيْـدِ أَنْ يَـنْكَـسِــرْ
النظام القبلي نظام اجتماعي يصلح لحقبة زمنية قديمة جدّا، وكانت له مبرراته إذْ يعتمد على إثارة النعرات القبلية والثارات والمفاخرة والحروب ممّا ساهم في تشرذم العرب وفشلهم وتخلفهم، وجلّ الاهتمام فيه هي القبيلة ومصالحها، ولايصلح لتطلعات الشعب و أبناء العصر الحديث أبدًا.
وهذا ابن الوردي يوصينا في لاميته:
لا تقـلْ أصـلي و فَـصلي أبـداً
إنًما أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ
لا نخالف القبيلة كونها للتعارف، ولكن نخالف ماتفرزه من نظامٍ قبلي مقيتٍ مفخخ بأعمال همجية تهدد اللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي،
أي القبلية العمياء التي لاتُراعَى فيها الذمم و الحرمات، وتشوّه سمعة المجتمع بأسره و تترتب عليها كلّ الإشكاليات مِن” أُنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا” إلى غيرها من مثالب.
النظام القبلي نظام معقّد جدًا، لأنّه من أشدّ الأنظمة استعصاء على الإصلاح والتغيير .هناك كثير من القيم القبلية أصبحت بالية لا تتناسب و أسلوب حياة هذا العصر، لكنّها راسخة في ذهن الإنسان القبلي ومتجذرة بعمق التأريخ في وجوده ، ومن الصعب أن يتجاوزها أويتجاهلها أو يقفز عنها.فلابدّ من إصلاحها شيئًا فشيئًا وتدريجيًا لافجأة حتى لا يحصل فراغ ولا تتكون بؤر تزيد الطين بلّة،وتنسف كلّ الجهود المبذولة في هذا المجال.
لايجوز اليوم التباكي على طريقة إدارة فاشلة أكل الزمان عليها وشرب! وتتسبّب يوميًا بسفك الدماء وحرق البيوت والممتلكات وهتك الأعراض
و عدم الإحساس بالأمن والأمان وإزهاق أرواح بريئة لا ناقة لها ولا جمل في معمعة النزاعات القبلية.
مانعارضه ليس القبيلة بذاتها إذْ كلّنا أبناء قبائل، ولكن معارضتنا هي للقبلية التي تحرق الأخضر واليابس وتعرقل مسيرتنا نحو التقدم و الالتحاق بالركب الحضاري .النظام القبلي لا يصلح لهذا الزمان ،ومن لم يماش الزمان فإنّه يغرّد خارج السرب، ولا نريد أن نبقی متخلّفین إلى الأبدِ في ظلّ التطورات التي یشهدها العالم ،وما أحسن قول أبي القاسم الشابي حين قال ! :
وأَلْعَـنُ مَـنْ لا يُمَـاشِـي الزَّمَـانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَرْ
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ
وَ يَـحْتَـقِــرُ الْـمَـيْـتَ الـمُنـدثرْ
لاشك أنّ الإسلام هو عین المدنیة، ولمّا بزغ فجره قد أحجم القبلیة ودعا لما هو أسمی وأجلّ، فدخلته العرب عن(على) بكرة أبيهم ،والتفت حول مفاهیمه کلّ القبائل، واستطاع أن يغیّر المفاهيم القبلية ويوحّد القبائل المتناحرة ويجعل منهم أمة موحّدة قوية لاتُهزم، حتى تحققت الحضارة و المدنية و الانتصارات والفتوحات و الأمجاد . ولا دور للقبيلة والقبلية فيما حققه الإسلام من رونق وبهاء و عزة و حضارة وتقدّم ورقيّ وازدهار.
هناك أمور كثيرة نراها اليوم في القبلية لا تمتّ الي الإسلام بصلة إلّا إذا فسّرنا الإسلام تفسيرًا قبليًّا وهذا ما نخشاه، حيث عادت الفوارق الطبقية والنظرة الفوقية و الاستعلائية لدى بعض شرائح هذا النظام مخالفة ما ناضل من أجله الحبيب المصطفى (ص).
في المجتمع الإسلامي الناس سواسية ولافرق بين عربي وغير عربي ، و لافرق بين العرب أنفسهم، فألغى النبيّ(ص) سيادة رجال قريش وسيطرتهم، و قضى على الفوارق الطبقية وساوى بينهم وبين الصحابي الجليل بلال الحبشي. ومن المؤسف أن نرى اليوم ترسبات هذه الأفكار عندبعض شرائح المجتمع ضاربة المفاهيم الإسلامية عرض الحائط، وسط صمت يكرّس الإذلال و العبودية.
أيُّ كـفٍّ لمْ تنلْ منهـا المُنى
فـرمـاهـا اللهُ منـهُ بـالشَّـلَلْ
أنـا لا أخـتـارُ تـقـبـيـلَ يــدٍ
قَطْعُها أجملُ من تلكَ القُبلْ
(ابن الوردي)
ولو تأملنا قليلًا واقعنا اليوم لوجدنا عودة لبعض صفات الجاهلية المحسوبة على النظام القبلي والتي ألقت بظلالها على الساحة الاجتماعية كالتباهي بالأنساب والتفاخر والتناحر والثارات وإهمال حقوق المرأة وقطع أواصر الصلة، و العصبية وما تحمله في طيّاتها من دفاع عن الباطل.
إنّ الإصلاح الذي نحن بصدده مقدّم على التغيير ،لأنّ التغيير المطلوب هو الذي سـوف نصل إليه تدريجيًا وخطوة خطوة وعلى فترات وبعد مراحل تتم بدقة وعناية وخطوات محسوبة من خلال لجان متخصصة تدرس الأمور دراسة معمقة مستعينة بالكفاءات وأصحاب الرأي السّديد من المؤيدين و ذوي الرأى الآخر، لا عن طريق قفزة نوعية أو وصفة سحريّة.
علی کلٍّ لابد من عزمٍ یُؤخذ بحزمٍ نحو الإصلاح و التجديد، ولابدّ من إزالة حجر العثرة ،فنحن الآن علی أسوار المدنیه والإصلاح وإن تمسّكنا بالماضي وغضّينا النظر عن الحاضر والمستقبل سنتأخر كثيرٌا وستلاحقنا لعنة الأجيال القادمة حتى في قبورنا.
علينا أن نستمع لكلّ نقدٍ بنّاء وموضوعي وعلمي يُثري الموضوع ويترك فيه إضافة قيّمة وبصمة جميلة تدعم مايراه المثقفون مواتياً لهذا الظرف الراهن، لا أن نعود إلى عصر ولادة القبلية الذي لا نعيشه الآن.
أيَها الأهوازيون الكرام، الحركة نحو التغيير مطلوبة في الظرف الراهن، وينبغي أن يبدأ كلّ شخص بنفسه حتى يصلح المجتمع وتترسخ فيه مفاهيم المدنية والوطنية، فالتغنّي بالقبلية لا يجدي نفعًا ولا يغني ولا يسمن من جوع.
لا تـقـلْ قــد ذهـبـتْ أيــامُـــهُ
كلُّ مَن سارَ على الدَّربِ وصلْ
(ابن الوردي)
لاشك أنّ التغيير الثقافي والاجتماعي لا يحدث بين عشيّةٍ وضحاها، بل يحتاج الی سنین طویلة ولم يكن كالتغيير السياسي الذي قديحدث خلال أيام أو ساعات أحياناً،وإنمّا هو يحدث تدريجيًا ورويدًا رويدًا وفق قواعد معينة رصينة بغضّ النظر عن أساليبه التي لا مجال لمناقشتها في هذا المقال.
إذن، علينا أن نبدأ من أنفسنا ونعدّ العدة،لأنّ الإصلاح الفردي مقدّم على الإصلاح الجماعي،وأن نقوم بإنشاء موسساتنا المدنية ونطلق حملاتنا التـوعـوية، فالإصلاح التدريجي رغم صعوبته بات ضرورة ملحة إبتغاء ارتداء سترة النجاة و التغيير في بحر المواجهة المتلاطم و الوصول إلى برّ الأمان بسلام.
ولنعلم أنّ كلّ إصلاح يعدّ تغييرًا ، وليس كلّ تغيير يكون بالضرورة إصلاحًا ،لأنّ التغيير قد يكون أمرًا سلبيًا لاتحمد عقباه،ولكن لاداعي للخوف ودعونا نضع حجر الأساس ونواكب الحضارة والمدنية بدل انتظار تعافي نظام مندثر يحتضر !.
يـاسـر زابيـه /الأهواز ٢٠١٤