- « المناضل »
كتابة:سعيد بوسامر
دراسة: الدكتور رسول بلاوي
اصعد المقصلة
يا “دون خوان” العرب
فإنّه توقيت القدر
سيرافقك السيّاف
وحين يدنّسون جسدَك البريء بمهملاتهم
كأس ماء
يجري على شفّة السّواد
ستدّعي شفتیک تلك الياقة المباغته
ونفسُك تشتهي رحلة الصباح
سيمنحونها رحلة الصباح
فلا خوف ولا ملل
يهمس الريح:
“يا أيّتها النفس المطمئنة
ارجعي الى ربك راضية مرضيّة”
وهاهي نفسك قد رجعت
سیدّخر الشارع برقَ جسدك
وسيعلن المطر العصيان
إنّك في نُزهة غرب الفيليّة
شرق القدس
في فضاء بعيد
برفقة الأخيار
تسمع صوت الإله
فلا خوف ولا مللْ
ستدرك الشهداء
وروحك ستطلق الرصاص على التأريخ
وسترتّل الأجيال ثانيةً
نشيدَ ابتسامتك
لا معنى للموت
فإني أراك مغادراً قبرك الضيّق
نحو النجوم الحافيات
نحو الثكالى الباكيات
كما يفعل الراديكاليون..
وأمّك..
أمّك تبحث عن خدّك كي تقبّله
أمّك لا تبكي
إنّها الرصاصةُ الحنونة
طارت لحظة معك
ونزلت إلی الأرض ماسكةً يدَ اللّه
وحفنةً من النجوم
أمّك مبتهجةٌ
وقد اجتمعت الأشجار والعصافير
كي تبنيَ عشاً جديداً تلد فيه مناضلاً آخر.
*******
- ملخص المقال الذي قدّم إلى الندوة الخاصة بأدب المقاومة
العنوان: صورة الشهيد في قصيدة “المناضل” للشاعر سعيد بوسامر
كتابة: رسول بلاوي (أستاذ مشارك، قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة أبوشهر)
تجسيد صورة الشهيد يُعتبَر من أبرز ثيمات أدب المقاومة في الشعر المعاصر، والشعراء المتلزمون لم يهملوا هذا الجانب في شعرهم بل وجدوه مجالاً خصباً للتعبير عن أفکارهم ومواقفهم. لقد تخطّی معظم الشعراء موضوع الحداد والبکاء علی الشهداء فرکّزوا علی مفاهيم ساميّة مستوحاة من التراث الديني، ففي الفکر الإسلامي أنّ الشهيد خالد يحمل مشعل الهداية والنضال، ويوحي بالبغضاء والکراهيّة تجاه العدو الغاشم، فمن هذا المنطلق حرص الشعراء علی تجسيد استمراريّة مسيرة الشهداء النضاليّة، والحثّ علی الجهاد والدفاع عن الوطن. والشاعر سيد سعيد بوسامر من الشعراء الذين عرفوا مکانة الشهيد وعظمة رسالته النضاليّة، فقد أودع أفکاره تجاه الشهيد في قصيدة تحمل عنوان “المناضل”، وهذا العنوان يوحي للمتلقي أنّ الشهيد لم يمت بعد فهو مازال مناضلاً مستمراً في کفاحه ونضاله وفي کل حين يلد مناضلٌ آخر ينتهج سبيله.
السؤال الأساسي الذي نسعی إلی الإجابة عنه في هذا البحث هو: کيف يجسّد لنا الشاعر سعيد بوسامر صورة الشهيد المناضل في قصيدته وما هي الآليات التي اعتمد عليها؟ وقد توصّلت الدراسة عبر المنهج الوصفي – التحليلي إلی نتائج يمکن تلخيصها کما يلي: الشاعر في هذه القصيدة استخدم تقنيات تعبيرية فاعلة ترفد النص بطاقات فکرية وشعوريّة تخرج النص من الرتابة إلی العمق والخصوبة في التعبير، منها اعتماده علی جملة من الرموز کالريح والمطر والنجوم والعصافير، التي تساعد لغته المعجميّة علی الثراء الدلالي، والتناص مع القرآن الکريم کاستدعاء هذه الآية الشريفة ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ وهي آية تناسب الفکرة والسياق، ومن التقنيات الأخری التي نجد لها صدی في هذه القصيدة هي تقنية التکرار الواعي لعبارة (فلا خوف ولا ملل) وهذه العبارة وحدها قادرة علی تجسيد صورة الشهيد الشجاع الدؤوب الذي لا يثني عزيمته شيءٌ کالخوف والملل.
هذا الشهيد الذي يصوّره لنا الشاعر هو أشرف من کلّ الخونة الذين ضاق بهم ذرعاً، فيفضّل الرحيل منهم بنفس مطمئنة ترجع إلی ربّها راضية مرضية، وفي فضاء بعيد برفقة الأخيار وفي جوار الله. فيری الشاعر أنّ هذا الشهيد سرعان ما يغادر قبره الضيق ليلتحلق بالنجوم الزاهرات ليصبح مشعلاً وهّاجاً لهدايّة الأجيال القادمة. وفي ختام القصيدة يرکّز الشاعر علی أمّ الشهيد وقدسيتها، وهذا الترکيز له إسقاطات نفسيّة عميقة تنقل للمتلقي مشاعر الأمّ وموقفها التوعوي والإعلامي الذي تخلّفه للأجيال القادمة، فهي تطير مع الشهيد إلی السماء ثم تعود إلی الأرض ماسکة يد الله ومعها حفنة من النجوم.