كان قد صوّب فوهة البندقيّة نحوي وكانت يداه ترتجفان من شدة الخوف والهلع كانت تتساقط من جبينه قطرات العرق القاتل وتختلط بدموع الإحساس بالعجز مبللة بشرته الحنطيّة الّتي أذابتها شمس الجنوب الحارة.
– اقتلها واغسل عارك !
الرجل المقنع يصر..
– اسحب الزّناد وخذ روحها القذرة.
أطلق البارود … وأنا هلعت من مكاني لا أعرف ما إذا كنت نائمة أم مستيقظة، كنت أتوجع من كثرة الألم فقط وقدماي ملطختان بالدماء. كنت أحترق من شدة الحرارة. أنظر حولي، ولم يكن أحد بجانبي، ولم أكن أعرف أين أنا، سوى الممرضات اللواتي يتحركن من حولي، فقدت الوعي مرّة أخرى ولم أكن أعرف أي شيء حتّى اليوم التّالي.
– سيّدتي، سيّدتي، استيقظي..
– أيمكنك سماعي.
كنت أسمعهما لكني لم أستطع الحركة.
– كانت تنزف بشدّة، لم يكن معها أحد، لقد تركوها بمفردها أمام بوابة المستشفى.
– هاتف، دفتر ملاحظات؟!
– لا شيء من هذا القبيل!
– لا تقلقي، سوف نفهم كل شيء عند صحوتها.
اضطررت إلى أن أتظاهر بالغيبوبة لفترة طويلة لإيجاد طريقة للهروب من المستشفى. توقف النّزيف ولم يكن هناك ما يدعو للقلق، قد سمعت هذا من الممرضة أثناء تغيير الورديّات. لكن ما الذي حدث لي حقًا؟
لم يكن هذا ما اتفقنا علیه، كانت المرأة قد وعدتني بعدم الذّهاب إلى المستشفى ،فكيف وصلت بي الحال إلى المستشفى؟
تركت ابنتي وحيدة في الفندق، لا بد أنها قلقة، لا أعرف عدد الأيام التي قضيتها في المستشفى كان من المفترض أن نعود إلى الجنوب بعد ثلاثة أيام من وصولنا.
يبدو أن القابلة واجهت متاعب كثيرة ولم تستطع وقف النّزيف لذا خوفا على حياتي تركتني فاقدة الوعي أمام المستشفى.
حيث ذهبتْ إلى الفندق في نفس اليوم وسلّمت كل متعلقاتي لابنتي وطلبت منها البقاء في غرفتها وعدم مغادرة الفندق.
-والدتك في المستشفى وستأتي وتصطحبك معها في غضون أيام قليلة.
كانت ابنتي ذكية للغاية ولا يمكن إخفاء شيء عنها.
منذ خمسة عشر عام، وبعد وفاة والدها تحديدا أصيبت بالإرهاق واستاءت كثيرا، لكنها تعاملت تدريجياً مع غياب والدها.
أشعر بالارتياح لكونها إلى جانبي، نسافر معا ونملأ فراغ بعضنا البعض. تدرس حتى منتصف الليل وفي غيابي تعتني بإخوتها جيدا.
بحجة العمل والمعيشة ، كنت أغادر
المنزل في الصّباح الباكر وأعود إلى المنزل في وقت متأخر.
یظهر اهتماما كبيرا بي وعند عودتي إلى المنزل، كان يقبلني ويحدثني عن وحشته بدوني يهتم جدًا بي وبأولادي.
في يوم من الأيام عند عودتي إلى البيت خاطبني بنبرة معاتب وقال لقد سئم من كلّ هذه السّرية ثم أردف:
أنا قلق عليك، إلى متى يجب أن نعيش هكذا، ألم تري بالأمس أن زوجة عمك حيدر كانت على وشك أن ترانا معًا. أريد طفلا يحمل اسمي قد تزوجنا منذ ثلاث سنوات إلى متى يجب علينا أن نرى بعضنا البعض سرا؟!
لطالما راودتني كوابيس والدم ينزف من يدي. كنت أخشى أن تنكشف قصة زواجنا.
ماذا أقول لأولادي ، ماذا تقول النّاس عني، كيف أقنع أخي، كان دائما يقول إن الأرملة لا يحق لها أن تتزوج مرة أخرى.
بالنسبة له ، زواجي مرة أخر ى أمر قبيح وشنيع ويجب على الأرملة أن تحزن على زوجها المتوفى طيلة حياتها.
أنه يعتبر الرّغبة الجنسيّة حقه فقط ودائما يقول لمن یتقدم لطلب يدي:
– أختي لا تحتاج لشيء، زواجها مرة أخرى مهزلة وأهانة لاسم عائلتنا، يبدو أنه نسي أنني أرتدي ملابس زوجته البالية وأن ابنتي تعمل بجد في منزله لكي لا أحد يحس بعدم وجودي.
يقول أحمد:
سنجعل كلّ شيء قانونيًا وعلنيًا، أخوك لا يستطيع أن يفعل شيئًا. يبدو أحمد نسي قصة الفتاة التي قُطّعت إربًا إربًا أمام المحكمة وأمام رجال القانون لأنها أعلنت عن علاقتها السّريّة. إنهم لا يعرفون القانون في الواقع، وضع القانون ليحمي مصالحهم. أحدهم يقتل أخته، وآخر يقتل زوجته، والآخر يقتل ابنته، فهم يد الله على الأرض.
كنت قد نزفت کثیرا، لكنني کنت أشعر بتحسن، وفي الصّباح أمر الطّبيب المعالج بنقلي إلى الجناح الدّاخلي، ولم أكن في خطر.
في الليلة الّتي تم نقلي فيها إلى الجناح، كان المستشفى مزدحمًا، ويبدو أنه تم إحضار رجل وامرأة أصيبا بحادث سير. نهضت ببطء من السّرير ونظرت إلى السّرير المجاور لي كانت السيّدة غارقة في نوم عميق.
الهروب من المستشفى مع كل المشاكل الّذي حصلت لي أمر مستحيل، في ذلك الوقت المتأخر، وصلت إلى الطّريق الرّئيسي وفي ظل وضعي الصّعب وملابسي الرّثة لا يمكن العثور على سيّارة تنقلني. وقفت في ذلك الجو البارد لمدة ساعة. حيث في الأمس تساقطت ثلوج غزيرة في مدينة مشهد وكانت الشّوارع زلقة.
كانت قلة من السيّارات تتحرك في الليل في ذلك الوقت المتأخر، وقفت إلى جانبي وأنا أدعو ربي، سيارة مستهلكة برتقاليّة اللون كان رجلاً في السّتین من عمره قال إنني محظوظة وهذا الطّريق أقل ازدحامًا في ليلة كهذه.
نزلت أمام الفندق في الساعة 4:30 صباحًا لقد جئت العام الماضي أنا وأحمد لزيارة الإمام حيث أقمنا يومين في فندق بيروز، كان صاحبه رجلا ذا أخلاق حميدة يقدم لنا الشّاي باستمرار. دخلت ببطء، وكان زائر قاسم قد ترك الباب مفتوحًا للزوار كالمعتاد.
تجمدت يداي من شدة البرد، ضغطت على الباب بقدمي ودخلت الفندق، بدأ الجو أكثر برودة من أي وقت مضى، وجلست على الدّرج لبضع دقائق كان من الصّعب أن أفتح عينيّ ، استحوذ على قلبي حزن شديد سقطت وأنا ألوم نفسي على كل ماحدث أصبحت محطمة بدأت من الدّاخل مثل تُحفة سقطت من على الرفّ دون أن يهتمُّ لها أحد.
تذكرت جنيني البالغ من العمر ثلاثة أشهر، والّذي لم يكن مذنباً. لا أعرف ما إذا كانت القابلة قد دفنته أو ألقته کبقية الأجنَّة الأبرياء في سلة المهملات. أتمنى لو كانت لدي الشّجاعة لمقابلة أخي، أتمنى لو كنت أستطيع أن أعترف بزواجي السّري، وبجنيني البالغ من العمر ثلاثة أشهر.
لماذا يكون زواج الأرملة وصمة عار؟! لماذا يجب أن تخجل الأرملة المتزوجة، لماذا لا يحق لها اختيار حياتها بمفردها؟!
خبأت رأسي بین ساقي المتعبتين ولم أعد أختلف عن أخي كثيرا.
فتح رجل باب الفندق ببطء وبدأت ريح باردة تهب، وعيناي الحمراوان المتعبتان لم تتحملا النّظر. بدأ وكأنه طويل القامة، جلس بجواري كان صوته مألوفًا، لكن لساني لم يجرؤ، حيث لجأ الفأر إلى عشه، لم أجرؤ على النّظر في عينيه. تقدم قليلا وقعَد القُرْفُصاء وقال: ألم يكن من حقي أن تخبريني بقرارك؟
– قلت له وأنا أشعر بامتعاض شديد وخجل أشد:
من أخبرك بذلك؟!
– أوه هذا ليس مهماً الآن، فقط أتيت بحثا عنك لأخبرك أن أخاك وافق على زواجنا.
خیّم الصّمت بیننا حيث جسمه يرتعش ويئن… قام بهدؤ واستقامة ظهره المنحني وابتعد بضع خطوات وأغلق الباب ورحل.