عند سماعي أول صرخةٍ تلتها صرخاتٌ دوّت بالفضاء ، إرتعش كل ما بداخلي .
ركضتُ مسرعًا نحو النوافذ ، فشرعت ُبإسدال ستائر البيت واحكمتُ أقفال كل الأبواب .
كنت قد تعودتُ على شجارهما ، صراخهما وتذكرهما لكل حدثٍ مرّ عليهما ، خاضاه أو ساهما فيه معًا مع هذا لم أُحزن ولكن شيئًا ما بداخلي كان مفقودٌ ، لولا وجود أحلام الصغيرة في حياتنا .
إشتدّ الشجار ،
فتكرّر صدى مفردة طلاق مرتطمًا بآذان الجدران .
حينها دون تفكير هممتُ مسرعًا كي أصل الى خزّانات الغرف وبحالة حذرٍ تامة أخرجتُ كل الحقائب التي تقبع في جوفها .
ثم حملتهن واحدةً تلو الأخرى بخفّة الى الطابق العلوي ،
وضعتُ ما حصّلتُ بداخلهنّ ثمّ
حاولت بكل قواي مستنجدًا بجسدي الهزيل وجثتي الصغيرة ،
لأمرّرهن من نافذة غرفتي كي يسقطن في الباحة الخلفية .
بعد أن غرقتُ بعرقٍ ابتلّ منه صدرُ قميصي الأسود رحتُ أفكرُ بمصدره هل هو من الخوفِ أمِ التعبِ ؟
وفي خضم هذهِ التساؤلات لمحت صورةً تناولتها فورًا من الجدار ، كانت تجمعنا حيث البحر وزرقته والسعادة تشرب من إبتسامتنا ووجوهنا التي ما عادت ضاحكة ،
حينما قررت الغطس بلحظة طيش معاند فكدت أن أغرق لولا مهارة أبي في السباحة وتأنيب والدتي الموبّخ لي آنذاك زاد من ارتعاشي ورعشتُ حقًّا وكأنهما يوبخانني الأن ، احتضنتُ كتفيَّ لأهدئ من روعي فتهاوت الصورة من بين راحتيَ لربما تنذرني أو تودعني
وما …
أنْ تمالكت نفسي ، حتى إنتبهتُ أنّ صوتيهما قد تراجعا يجرّانِ خلفهما خيبةُ أملٍ .
أحسستُ بقشعريرة تجتاحني من فروة رأسي حتى أخمصَ قدميّ
طردتُ كل الأهوال من بالي وانتفضتُ
واخيرًا بعد الفرارِ من شظايا نزاعاتٍ بين تلك الصراخات وصلتُ الى آخر درجةٍ من السلّمِ .
لم يكن الشعورُ الجميلُ ذاتهُ حين كنا صغارًا نتسابقُ فيما بيننا في تحدٍّ لبلوغِ آخرِ درجةٍ من السلالم .
إلّا أنّ هذهِ المرّة بلوغِ النهاية كان وشيكًا واقربُ ممّا كنّا نتصّور .
على يميني قرب طاولةِ الهاتف أحلام الصغيرة وهي تعصرُ دميتها المدللة محتضنةً إياها بيدٍ وتغمضُ عينيها بالأخرى .
حينها أدركت حجم الخطر ،
وما انتابتني من نوبات فزع محذرةً إيّاي ممّا وقع .
ثَقُلَتْ قدمايَ كمشلولٍ وقعَ من كرسيّهِ المدولب .
صَغُرَتْ خطواتي ، تبدّدتْ آمالي
واختفت أحلام من خيالي .
لا اعلمُ كيفَ ولكنّي متأكدٌ من وصولي اليها .
وانا أهُزّها نافيًا الواقعة بكل ما راودني والمؤكد لي شكوكي .
أزحتُ أصابعها الباردةِ عن عينيَها الهاربتيَنِ من الواقعِ الصادمِ .
عانقتُها وعيناها عالقتانِ بوجهي وجثتها المرتجفةِ كطيرٍ مذبوحٍ يتراقصُ على أنغام موتهِ .
إستجمعتُ قوايَ ، هززتها نافيًا وانا لمْ أصدقْ ما أراهُ أمامي .
إرتجفتْ شفتاها المزمومة المبللة من دمعِ فقديَنا العظيميَن .
وهكذا وضعا حدًّا لحياتهما وسلباننا دفء العائلة وملاذنا الآمن .
وهيَ تقولُ بهمسٍ …
بابا ، ماما ، مزح ، شجار ، دم .
لحظتها فقط أيقنتُ بأن ليس كل راحلٍ يحتاجُ حقائبًا أو دليلا .
زمزم
◦