رهين ذكريات الماضي في زمن الحداثةِ ….
نعم انا لم ازل حبيس ذكريات طفولتي و سجين سنين مراهقتي و رهين جموح عنفوان ايام الصبا…
حسبت بإمكاني ان اترك انقاض مُدني المبعثرة و المهجورة في ذهني و نسيج افكاري اللاتي هدمتها معاول الخذلان قبل ان ترىٰ النور و الكمال ……. .
لكني اصبحت اكثر من ذي قبل اسير أطلال تلك المدن الخالية و المنكوبة ، و تحملني الأشواق الى اعتاب اسوارها في كل حين، و اُعَفِّر خدي في ثراها الحنون ويأخذني وجدي وهيامي الى الليالي و الأيام الخوالي المليئة بالحب و الحنين .
تراودني تلك الأفكار في مخيلتي و تحملني الذكريات على سحب الأمل و اختلي مع نفسي و تناغمني ضحكات جدتي و عبق عطر سيجارة جدي اللتي تفوح في الفضاء من حولي و لهيب نار الموقدة في ركن الدار يزيد الوشائج الأسرية عمقاً و دفئاً …. .
نعم انا ذلك الشخص الذي دخل عالم الحداثة و الغوغاء مرغماً تاركاً خلفه كل مايتعلق بالروحانيات في مكان ربما يصبح لم يعجب الكثيرين حتى المقربين مني….. .
لعل هناك من يتهمني بالرجعية و التخلف لكن هناك فرق شاسع بين الحنين الى الماضي الجميل و عهوده الزاهرة و ما بين الحداثة و ما نعيشه اليوم الذي اصبح نمط الحياة متسارع الى ابعد الحدود حتى تكاد ان تصبح المواقيت فيه معدومة … .
ان نمط الحياة المتسارعة واسلوب العيش فيها قد جلبت معها امراض جسدية و نفسية لم تعدها البشرية من قبل .
ناهيك عن التفكك الأسري و العلاقات الإجتماعية التي باتت في أدنى مستوياتها بين ابناء البشرية و كل ذلك تحت مسميات و شعارات رنانة. لكنها فارغة المضمون و المحتوى.
المجتمعات الراقية هي التي؛ توائم بين الماضي و الحاضر و في انتقالها من الماضي الى حاضرها لم تفرط بماضيها بل تعتبره الركيزة الأساسية التي يتم الإعتماد عليها لبناء حاضر افضل و مستقبل زاهر.
كما هناك مجتمعات ذات مستوى و وعياً متدنياً تظن وتعتبر ان تَخَطّي الماضي و التَخَلُّص منه ، انجازاً تاريخياً و دليلا على دخولهم الى نادي المجتمعات المتقدمة و عالم الحداثة و بهرجته الخادعة.
ليتنا نتحلىٰ ببعض الشئ من العقلانية حتى نبني و نصيغ مستقبلنا على مبادئ و اُسس لا افراط و لا تفريط فيها بشتىٰ مجالاة الحياة.
عماد عبدالمنعم الكعبي