- الوعي اللغوي في الأهواز
الــــوعــي
قبل أن أدخل في صلب الموضوع عليَّ أن أعرّف “الوعي” ثم الوعي اللغوي الذي هو أصل موضوع المقال. تُعرّف الموسوعة الفلسفية “مفهوم الوعي” بوصفه حالة عقلية من اليقظة، يدرك فيها الإنسان نفسه وعلاقاته بما حوله من زمان ومكان وأشخاص، كما يستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة. وهناك عدة تعاريف للوعي، إذ إن العلوم التي بحثت الوعي كثيرة جدا مثل: علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الأحياء، وعلم الأعصاب، والفلسفة، وغيرها من الحقول.
بعض الدراسات تشير إلى أن الوعي محصلة لعمليات ذهنية وشعورية معقدة، فالتفكير وحده لا يتفرد بتشكيل الوعي؛ بل للحدس والخيال والمشاعر تأثير، وبعد ازدياد تعمق الدراسات في الوعي الإنساني بدأ الوعي يُقَسَّم إلى تقسيمات أدق مثل؛ الوعي الذاتي، الوعي السياسي، الوعي الاجتماعي، الوعي اللغوي، الوعي المعرفي، الوعي التاريخي، الوعي الوطني، الوعي الثقافي والهوياتي، وغيرها.
الوعي اللغوي
تعد الدراسات التي اهتمت بالوعي اللغوي أكثر تأطيرًا بالنسبة لباقي أنواع الوعي، لأنها انطلقت من أرضية خصبة، فأمر اللغة وما يتعلق بها كان محل اهتمام اللغويين والعلماء منذ القِدَم خاصة في اللغة العربية إذ تعد من أولى اللغات التي اهتمت بدراسة اللغة واللهجات والألسن البشرية منذ قرون، وهذه الدراسات في حقول مثل؛ فلسفة اللغة واللسانيات، وفقه اللغة، وعلم اجتماع اللغة، فالوعي اللغوي بشكل عام يوصف بأنه القدرة العملية على التكلم والفهم، والقصد منهما التكلم والفهم باللغة المعيار، أي اللغة الأم، فمثلا بالنسبة لنا، نحن الأهوازيون، التكلم باللغة الأم وفهمها والكتابة بها، أي العربية الفصحى هو المراد والمطلوب، فالكثير منا يقرأ الكتب العربية ظنًا منه أنه يقوم بعملية اكتساب المعرفة، لكن الصحيح أنه يقوم بقراءة الكلمات والجُمَل فقط، دون أن يعرف مفهومها ولو بالشكل السطحي، والأمر يصدق في عملية الاستماع إلى العربية من خلال النشرات الخبرية أو الحوارات التي تكون بالعربية الفصحى، فالكثير منا يستمع دون أن يفهم الكلمات التي يسمعها، فهذا الضَعف المعرفي باللغة الأم يعيق مسألة تلقي الفكر بالشكل الصحيح، وبالنسبة لنا فإن اللغة الأم هي الأساس لحفظ الهُوية الثقافية، لذا لابُدَّ من بذل الجهد لاكتساب الوعي اللغوي، لكن قد يتسائل الكثير؛ متى أعرف أنني أمتلك هذا الوعي، فالجواب يكون؛ متى استطاع الشخص أن يفهم جيدا ما يسمعه من حديث بلغته الأم وأن يتكلم بلغته الأم حيث يمكنه أن يعبِّر عن أفكاره وهواجسه بطلاقة، وأن يقرأ بلغته الأم قراءة سليمة ولو قراءة النصوص السهلة، وأن يستطيع الكتابة باللغة الأم كتابةً سليمة والكتابة السليمة الواعية هي أرفع المستويات الأربعة التي سبق ذكرها.
معرفة ميزات اللغة العربية:
على الفرد المنتمي إلى لغةٍ معينة أن يعرف ميزات لغته، على سبيل المثال علينا أن نعرف مستوى اللغة العربية بين اللغات في العالم، والنقاط التي تميزها عن باقي اللغات، فاللغة العربية هي أكثر اللغات ثروةً من حيث المخزون اللغوي، وهي تمتلك أدبًا غنيًا عمره أكثر من ستة عشر قرنًا على الأقل، فهذا التاريخ الطويل من الأدب يجعل اللغة العربية من اللغات القليلة التي تمتلك أدبًا عريقًا وأنها كانت لغة العلم والفكر والمعرفة طيلة ستة قرون في جغرافية ممتدة من الأندلس في الغرب إلى أقصى الشرق، ولم تَحظَ لغة أخرى بهذه المِــــيزة غير العربية حينذاك. وهنالك ميزات أخرى تميز اللغة العربية وتظهر خصوصيتها ومكانتها بين اللغات في العالم. كما يمكن من خلال الاهتمام باليوم العالمي للغة العربية واليوم العالمي للغة الأم أن تبرز أهمية الوعي اللغوي ودوره في التنمية وإنجاز الذات الفردية والجماعية.
بعض الاقتراحات لتنمية الوعي اللغوي الأهوازي:
- معرفة القواعد العربية والتي تكون بالنسبة لغير المتخصصين بها، معرفة المبادئ النحوية كافية وقد يتعلم القواعد شيئا فشيئا إذا كان الشخص يهم بتعلم لغته الأم.
- الاستماع والتكلم، والمحاولة باستمرار في القراءة والكتابة باللغة العربية الفصحى، مثلا؛ يخصص دفترا للكتابة باللغة العربية الفصحى ثم يعرض ما كتبه لمن هو خبير في اللغة لتصحيح الأخطاء اللغوية والتعبيرية وغيرها من الأخطاء.
- إثراء المخزون اللغوي من خلال تطبيقات اللغة العربية والتي هي متاحة للهواتف المحمولة أو من خلال المعاجم اللغوية.
- التصفح المستمر في المواقع العربية ذات المحتوى العالي من المعرفة الحديثة.
- قراءة روائع الأدب العربي القديم والحديث، خاصة التعرف على أدباء الأهواز قديما وحديثا.
- تخصيص أوقات للتحدث عن اللغة الأم في البيت، أو مع الزملاء في الجامعة، أو العمل، بغية ترسيخ مفهوم الهوية اللغوية والشعور بالانتماء إليها.
- متابعة المصادر العربية للفرع الدراسي الذي ندرسه في الجامعة، واقتراح هذه المصادر على الزملاء في الجامعة، لكي لا يقتصر الاهتمام بالكتب العربية على دارسي الأدب العربي فقط.
- ضرورة المطالبة بالتعليم باللغة الأم، وهو حقٌ مشروع يجب أن يحصل عليه كل إنسان ومجتمع.
- إنشاء صحف وجرائد ذات محتوى عال ورصين، وأن تهتم بشتى المناحي مثل: التربوية، الثقافية، العلمية، اللغوية، اقتصادية، تحليلية وسياسية..
- الإعلان الشخصي والمناسبات أن تكون باللغة العربية وكذلك بطاقات الدعوة للاحتفالات مثل: حفل الزواج، أعياد الميلاد..
- لوحات المحلات التجارية، رغم أننا نرى تطورا ملحوظا في تنامي وازدياد اختيار لغة اللوحات لصالح اللغة الأم في الأهواز إلا أن الأمر لم يشمل نطاق مراكز المدن كثيرا. الأفضل أن تكون الأسماء المختارة للمحلات التجارية، أسماء ذات معنى مرتبط بما يقدمه المحل التجاري من خدمة.
- تخريج نصوص لغوية ومعرفية وثقافية وعلمية بدقةٍ وتأنّ، والاهتمام بجودتها، سواء كان على صعيد المعنى والمبنى، فالمعنى لا بدّ أن يواكب العصر ومتطلباته والمبنى أن يكون سهلا ورصينا ويخلو قدر الإمكان من مفردات ثقيلة على القارئ الأهوازي المتوسط المستوى في المعرفة باللغة العربية.
- إنشاء وتهيئة مدونات ومواقع عربية عامة ومختصة والأفضل عدم الخلط بين الاثنين، وإعطاء كل قارئ حقه في مستواه.
- الاهتمام بالموسيقى العربية الراقية، لأن الموسيقى تلامس الوجدان وتترك أثرا بالغًا في الإنسان، والاهتمام بموسيقى محددة هو تأثر حضاري.
سعيد إسماعيل
]هذه المقالة نشرت في مجلة ”اقرأ” عام ٢٠١٨م وكذلك نشر ملخصها في كتاب ”أنا لغتي” عام ٢٠٢٠م]
المصادر والمراجع:
١. نعوم تشومسكي. المعرفة اللغوية، مصر، دار الفكر العربي، 1991.
٢. عبدالقادر الفهري. أزمة اللغة العربية في المغرب العربي، بيروت، دار الكتب الجديدة، 2010.
٣. سوزان بلاك مور. الوعي، مصر، مؤسسة الهنداوي للتعليم والثقافة، 2016.
٤. عادل سعيد. إيقاظ الوعي، الرياض، 2011.
٥. عبدالقادر الفهري. السياسة اللغوية في البلاد العربية، لبنان، 2013.