اليوم سأكتب لشريان الحياة رسالةً فقد لا يسمح لي القدر غدا،
اليوم سأروي لك يا مهد الحضارات روايةً من ضمير حي عاش العصور على ضفافك مستيقظاً
ومن شوق نفس ارتوت بالعز والشموخ من تلك القطرات ولمجدك ساجعة …
لن تنساك ولن تنسى أمواجك أبداً …أبداً…
هكذا كنت أردد الكلمات بشغف وأنا ذاهب إليه…
نعم نهر كارون، ذلك النهر العجاج
النهر الذي بنيت على ضفافه الحضارات وارتوى كل كائن حي من تدفق شريانه حتى الممات.
وكم كنت متفائلا كي أراه
وأرى الصياد والزورق ..
وشبكة الصيد تصطحبهما…
والمجداف هو قوة سيرهما…
ولكن…!
لما وصلت إلیه وقفت علی ضفته ناظرا …
فأحزنني ذلك المنظر المؤلم حتى أجنحت مشاعري على ضفته كما أجنحت السفن على ضفاف البحار … وبدأت الأحزان تتراکم فی وجودي،
حتى ظللت غير قادر على تعويم مشاعري التي كانت تتدفق له كتدفق المياه في مجراه
لا أرى المياه..! ولا الزورق ولا النورس…
أرى “مجرى”عظيما ممتدا على سطح الأرض طولا وعرضا
وعلى كاهليه “جسورا ” متقبل عبئها منذ قديم الزمان…
و”بركة” التي لفتت نظري…
أخذني الشوق إليها متحمسا…
في كل حين في الوحل متعلقا…
حتى وصلت إليها ووجدت جنبها زورقا منقلبا على جنبه وفي جوفه شبكة صيد ومجداف مختبئان، آثار الحزن والكئابة على مظهرهما كان خير دليل على ما أصاب ذلك النهر…
حتى سألتهم:
أين المياه ..!؟ وأين الزوارق والنوارس!؟
فرد عليَّ المجداف:
لقد جفَّ النهر وعلمنا من تلك القطرات المتبقية أن لا حياة لنا بعد اليوم.
ثم سألتهم:
ألا تذهبون معي لكي أضمن الحياة لكم في نهر آخر؟
رد عليَّ المجداف متحمسا:
أتريد أن تذهب بنا إلى نهر آخر لنعيش الحياة بذلة…!
ألا تعلم أننا من صنع عيلام، تلك الأيادي لقد بثت روح الإبداع والحياة في وجودنا منذ آلاف السنين في هذا النهر جيلا بعد جيل…؟
أم تريد أن تذهب بنا إلى متحف لتشويه هويتنا!؟
تارة نصبح من صنع عيلام وتارة من ساسان…
ألا تكفيكم تلك الكنوز والمعالم العيلامية التي عثرتم عليها في باطن الأرض وظاهرها…!؟
كلا…لن نذهب معك بل نبقى هنا
إما تنتعش حياتنا بتدفق مياهه وإما تندثر أجسامنا بتراب قاعه.
علي حسين معرب