جميع الرواد والمفكرين والباحثين في مجال الهوية القومية (قسطنطين زريق، ساطع الحصري، ميشيل عفلق، البيطار، زكي الأرسوزي، نور الدين حاطوم، محمدعمارة،…) متفقون على أن اللغة هي أهم الروابط المعنوية التي تربط الفرد بالجماعة؛ وهي أحد الأسس والمقومات التي تقوم عليها الهوية.
الأفراد الذين يتكلمون لغات مختلفة، لا يمكنهم أن يفهموا المعاني نفسها من حيث التعبير والمعنى. كما أن مقاييسهم في الأخلاق والحق والعدالةو… لا تكون واحدة، بينما الأفراد الذين يتكلمون لغة واحدة يضمهم وعي جماعي واحد. هذا الوعي يصعب نقله من اللغات الأخرى عن طريق الترجمة. فالترجمة لا تنقل معها الروح الكامنة في المعاني! إذن اللغة، هي الروح الكامنة للهوية الجماعية ورمز رئيسي لها. هي مليئة بالرموز التي تستدعي القرابة الفكرية والروحية للأفراد. فهي أداة تقارب، وعن طريقها تنسجم الأفكار والعواطف. إنها طريقة مشتركة للتفكير، واتجاه واحد للسير نحو المصالح.
بعد هذه الإشارات الخاطفة عن أهمية عنصر اللغة وأثره في تشكيل الهوية، نستطيع أن نقول بأنها الهوية نفسها، وهي الميزة الأساسية التي تميز الأمم بعضها عن بعض، فالأمم إذا خسرت لغاتها، ذلك يعني فقدانها بالكامل، أي ضياع هويتها. قد تخسر أمة من الأمم سيادتها، أو أرضها، أو حتى عاداتها وتقاليدها، بسبب سيطرة أجنبى؛ لكن هذه الأمة أن حفظت لغتها، فخسارتها لا تتجاوز حدود استقلالها، لأن الروح باقية، وهي حيّة لا تموت. مثلها كالسجين الذي بيده مفاتيح سجنه! في أي وقت قادر أن يفلت من القيود!