عندما ننظر إلی مجتمعٍ ما سنشهد شرخاً کبیراً بین مطالبات وأفکار الناشطین والمثقفین وبین الواقع الإجتماعي والحقیقة التي یعیشها الشارع والفرد العادي بدون أن تتدخل في حیاتهِ وافکاره التفکیرات الطوبائية والمکاتب الفکریة والارشادات الاخلاقیة التي کان یصنفها الفلاسفة في الماضي ویلقون بها من فوق ابراجهم لتکونَ عُرضةً للسخریة وعدم التحقق بین آحاد الناس وافراد المجتمع.
النظرة الطوبائية الی الأمور وانتظار تحقق الایدیولوجیات الفکریة المحضة والمتجردة من الواقع الذي نعیشهُ الیوم لن تؤتي بثمارٍ غیر ازدیاد الشرخ مابین من یطلق علی نفسهِ مثقفاً أو ناشطاً وبین الفرد الأهوازي العادي. وکما لم تتحقق نظریات اکبر الفلاسفة علی أرض الواقع ونظراً لفشلِ الاشتراکیة والمارکسیة بکل ماتملك من قدرة علی التحقق والصیرورة فإن الأفکار الطوبائية التي تصدح بذم القبیلة وجلد الشعب لن تتحقق ولن تنجح علی ارض الواقع ابداً. وسیبقی الشعب في خانة من الواقع یعیشُ حیاتهُ التي اعتادها والمثقفین في خانةٍ اخری من الافتراض في عالمٍ ربما خلقوه لأنفسهم جراء احتکاکهم بالنظریات والاراء الفلسفیة من ارجاء العالم او تأثرهم بالدعوة المدنیة في الدول العربیة المجاورة.
یفتقر مجتمعنا إلی مؤسسات ثقافیة أو معاهد تعلیمیة تستطیع أدلجة وعیه الجمعي للتغییر والتحسن واذا نظرنا إلی مر التاریخ من یوم صیرورة المجتمع والشعب الأهوازي وتشکیل هویته الاجتماعیة المعاصرة(المهمشة والناقصة) فسنری عدم انفکاكه عن نظام القبیلة ابداً وللأمر أسباب عدیدة منها:
1- عدم وجود بدیل مُقنع:
إن امعنّا النظر في آحاد الانظمة الثقافیة او الاجتماعیة الموجودة في مجتمعنا بحسبِ انتشارها فنستطیع أن نشهد 1 -الدعوة المذهبیة الشیعیة 2-الدعوة السلفیة الجدیدة 3-الانتماء الی المجتمع المدني الفارسي. والرابعة هي القبیلة التي سنسهب في الحدیث عنها وأما الافکار الأخری(المدنیة؛اللیبرالیة؛العلمانیة؛الالحاد؛الاشتراکیة و…) فلا نستطیع تصنیفها لأنها لاتشمل العدید من الناس فهي تقتصر علی الناشطین ودعاة الثقافة(وعلی قسم قلیل منهم) فقط.
کل ماذکرَ أعلاه؛ یُخرجُ الفرد الأهوازي من هویته التي یرتضیها لیدخلهُ في هویةٍ ستمنعه من ابراز الأحاسیس التي یحبها واقساها هو الانتماء للمجتمع المدني الفارسي فیتطلب هذا الأمر خروجاً کاملاً من الذات وتغییراً جذریاً.
ولسبب ماذکرنا من الفقر المؤسساتي والثقافي والتعلیمي واسبابهُ لاتخفی عنکم فإن السبیل المتبقي الوحید عند الفرد الأهوازي الذي سیعطیه الأحساس بالانتماء والقوة التي یتطلبها کل أنسان هي القبیلة. ملاحظة: لایوجد لمفهوم الوطنیة او الوطن او المجتمع معنی في الوعي الاجتماعي للناس؛لایستطیعون إدراك هذه الأفکار التي یتکلم بها المثقفون بسبب عدم ترسُخِ هذه الأفکار في اذهانهم؛ فهي افکارٌ انتزاعية تجریدیة تحتاجُ إلیٰ أن یحتك بها العقل دائماً حتی یدرکها.
2-الترکیبة السکانیة وطریقة العَیش:
یتکون المجتمع الأهوازي علی الاغلب من قُری زراعیة أو تجمعات تربیة المواشي وحتی الحیاة في المدینة للفرد الأهوازي مازالت متأثرة بما کان علیه قبل سنینَ قلیلة وبسببِ أن المجتمعات الزراعیة والقرویة تعیش في واقع بدائي یتطلب روح الإنتماء الی جماعات ویتشکل من عوائل کبیرة فإن القبیلة حلٌ أساسي لهذا النوع من القری والأریاف وهذا موجود في کل دول العالم ولایقتصر علینا نحن فقط. نحن لانملك طریقة عیش مدنیة عربیة یستطیع فیها المرء أن یحافظ علی هویته وأن یعیش في مدینةٍ ویتأقلم مع سکانها من الاقلیات الاخریٰ ولذلك یُجبر الفرد الاهوازي علی اختیار واحد منهما؛ إما الانتماء الی القبیلة. والدفاع عنها وإما الانسلاخ من الهویة والجلد والانخراط في المجتمع المدني الفارسي.
3-الحمیة العربیة والطبیعة البدویة:
النزاعات القبلیة والتأثر بالقبیلة والانتماء لها والدفاع عنها ککیان یحل محل الوطن والمجتمع لیس امراً جدیداً ولا هو امرٌ مقتصرٌ علینا؛ قیاساً بکل الدول العربیة ونظراً للمجتمع الأقرب لنا من نظر الترکیبة والثقافة واللهجة وهو المجتمع العراقي؛ رغم محاولات الحکومة ومع وجود البدیل المقنع وهو الوطن والکیان الوطني القائم مازالت القبیلة هي المحور الأساسي للفرد العراقي ومازالت الحروب القبلیة مشتعلة في مجتمعهم وهذا امرٌ نستطیع مشاهدته في دول الخلیج أیضاً اذا امعنّا النظر. إن الفرد العربي بذاته وبطبیعته یهتم للنسبِ والأنساب ویقدس الأسلاف والأجداد؛ یحب التاریخ والماضي ولا ینفكُ عن هویته القبلیة التي ستکون في النهایة طریقاً الی هویته العربیة وهذا امرٌ لا مناص منه؛ فلذلك لانستطیع أن نصب اللوم علی انفسنا اذا مانظرنا لما حولنا واذا ما فکرنا بواقعیة وابتعدنا عن التفکیر التجریدي الذي یبعدنا عن الواقع الذي نعیشه. دور المثقف والناشط هو تبیین حقائق الواقع ومحاولة إصلاح مافسد منها. الجلد والانفصال عن المجتمع والنظرة الاستعلائیة للغیر لیس حلاً؛ عندها سنبقی في قوقعتنا محصورین بما قال فروید ومارکس وغیرهم من المفکرین ویبقی الشعبُ في ما هو علیه من البیرق والقبیلة والشیخ.حتی المثقفین نفسهم لایستطیعون التخلي عن القبیلة کاملاً فإن فرضنا حدوث مشکلةٍ لأحدهم مع فردٍ من قبیلةٍ أخریٰ هل سیتخلی المثقف عن قبیلته التي ستحمیه من کید القبیلة الأخری أو هل سینفعه مارکس وجون سمیث أذا ما تسلحت القبیلة الأخریٰ للقضاء علیه؟ هل سیبقی علی ماکان یعتقد من وجوب الخروج من الاطار القبلي؟ بالطبع لن یفعل اي واحد من تلك الامور لأن الخطر محدقٌ بالفرد بدونِ قبیلتهِ في مجتمعنا!لن یحمیك القانون حینها ولن تحمیك الفلسفة بل ستحمیك القبیلة فقط!ستدركُ حینها أنكَ قِبَليٌ أکثر من کل «مهوسچي»! فهذا جزءٌ من واقعنا لا فرارَ منه.