في العصر الّذي بلغ طموح الإنسان في المجتمعات المتقدّمة مرحلة حبّ التطلّع عمّا كان ويجري في الكواكب الأخرى، بلغ ضعف القانون في المجتمعات المتأخرة الّتي تطمح للتحضّر والخلاص من أغلال الجهل مرحلة مؤسفة إذ أصبح هو العامل الرئيسي باستفحال التقاليد البائدة وتكاثر النعرات النكرة من جديد.
لكن لكلّ معلول علّة وتساهل القانون بشكل متعمّد قد يكون لغاية شيطانيّة في نفوس الحكّام أو سياسة خبيثة تسعى لتحقيقها، فمثلا عند حدوث النزاعات بدل أن يتدخّل القانون ويقوم بإعطاء الجاني جزاء يليق به والحدّ من الفوضويّة الحاصلة، يترك القانون أمر حلحلة المشاكل على عاتق الزمن وعلى أيدي المحافظين هواة الجهل والتقهقر وأعداء العلم والتقدّم ممّن لا يريدون فقدان مكانتهم في مجتمعاتهم كالماضي إذ لا صوت يعلو فوق صوتهم، فيمهّد هذا التساهل المقصود من قبل الساسة المستبدّة أرضيّة للتكالب والسلب والنهب بين رجال الشعب الواحد بين الفينة والأخرى، واستمرار حكم الساسة دون خوف من نهضة العقول و رفض سياساتهم وزعزعة عروشهم بعد ذلك، لأنّه لا شيء يزعزع استقرار الأنظمة المستبدّة بصمت كاليقظة في العقول الصارخة بالرفض لكلّ ما يدعو للتقديس المقيت والتبعيّة العمياء والرضا بالعيش المهين.
في حال إن دعى القانون شعبه إلى المدنيّة بقوّة دون تهاون وتمييز وتبعيض وقام بشجب التقاليد البدويّة الداعية للتفاخر والعصبيّة والتقاتل على أتفه الأمور، عند ذلك سوف ينعم المجتمع بصفاة التحضّر ويتمتّع أفراده بالحياة الكريمة دون حقد وكراهية بين أطيافه، وإن غضّ القانون طرفه فهيّ رسالة صريحة للهمج بنشر الصفاة الوحشيّة في المجتمع أكثر من قبل وإعلاء راية الطبقيّة الممزّقة للنسيج الواحد دون حساب ولا عقاب.