الفضائيات العربية وتأثيرها على لغة الطفل الأهوازي /سعيد بوسامر

الفضائيات العربية وتأثيرها على لغة الطفل الأهوازي /سعيد بوسامر
  • سعيد بوسامر
    سبتمبر ٢٠٢١

ربما المجتمع الأهوازي من خلال الحوار الیومي النخبوي وغیره ومن خلال الاعلام المجازي المتاح له حاول ویحاول أن یقدّم شیئاً جدیراً بالاهتمامِ بطریقةٍ تلفت النظر إلی اللغة الأم وأثرها في حياة الأسرة الأهوازية، لكن الفضائيات والبرامج الترفيهية التي عُنيت بالوضع اللغوي في الأهواز قلیلة أو شبه معدومة وأمست هناك فجوة كبيرة بين الأطفال ولغتهم، في الوقت الذي أصبح العالم منفتحاً نحو الاهتمام باللغة الأم وتعلمها منذ السنوات الأولی للطفل.

انعكست سمات العصر الحديث على الأهواز في قفزة اعلامية غير مسبوقة وازدادت الأقمار الصناعية والهوائيات الرقمية سطوةً وفتحت برامج الأطفال المتنوعة المتاحة على الفضائيات، آفاقا جديدة للأهوازيين منذ عام ٢٠٠٠ وأدّت القنوات الفضائية العربية دوراً حيوياً في التأثير على الأطفال فتعوّد الطفل الأهوازي شيئا فشيئا على هذه البرامج التي تبث باللغة العربية المبسطة المفهومة والمأنوسة له. فإلى جانب إكسابه مهارات الحياة المتعددة فقد علمته هذه البرامج إدراك واستخدام اللغة العربية السليمة، كما أنّ فيها خبرات ومشاهد قد تعجز بيئة الطفل(المدرسة والأسرة والقنوات الأرضية) أن تقدمها له.
بما يخصُّ البيئة قد نبّه التربویون بدءا من أفلاطون وحتی أعمدة التربیة الحدیثة إلی ضرورة الاهتمام بما يُعرض للطفل. الفضائيات المرئية والمسموعة التي تعرض الألفاظ والعبارات والحركات والايماءات تعد أهم عناصر البيئة نظرا لارتباط الطفل بها وتعلقه ببرامجها ولاسيما الرسوم المتحركة والأغاني والأناشيد (بالخضر وطليبة، ٢٠١٧) وهي التي ترتبط مباشرة بتكوين هويته. ویبدو أن ابن خلدون كان متیقظا لأهمیة مرحلة الطفولة في ترسيخ اللغة الأم وأنّ من الضروري أن يتشبع الطفل بلغته الأم؛ فما یكتسبه الطفل عبر الوسائل المتاحة له أشد رسوخا وهو الأصل وهو القریب للقلوب. إذن، الملامح الأساسیة لشخصیة الطفل ترتسم خلال السنوات الأولی من الطفولة بواسطة مايسمعه وما يراه في محيطه ومن هنا صاغ الكثیر من العلماء ك”كاردنیر” وتبعه “رالف لینتون” مفهوم الشخصیة الأساسیة المتشكلة من وحي الطفولة(بعلبكي وآخرون،2011: 152).
أمّا الأسَر الأهوازية فإنّها أدركت الدور الفعال لبرامج الأطفال نظراً لتنوعها المعرفي واللغوي، فاستبدلتها بالبرامج الفارسية التي تفتقر إلى هذا التنوع والإثراء. في السياق ذاته نشير إلى نقطة مهمة وهي أنّ هذه البرامج من الوسائل المتاحة استغلتها الأسرة الأهوازية لأنها تحظى بإشباع احتياجات الأطفال دون تكلفة مادية وتعد مصدراً ثقافياً ولغوياً مفيداً للطبقتين المتوسطة والفقيرة. ومن هنا يبرز دور هذه الوسيلة الإعلامية أي التلفاز في تنمية الطفل وخاصة لغته.
كأداة لجمع المعلومات بدأنا باستطلاع رأي شارك فيه 2,027 فرداً من الأهوازيين الذين ردّوا على السؤال التالي: هل البرامج الكرتونية التي يشاهدها طفلك/طفلتك عربية أم فارسية أم مزيج من اللغتين؟
بعد جمع الآراء وإحصاءها توصلنا إلى نتيجة تثبت رغبة الأبوين وأطفالهم بمشاهدة القنوات العربية. وجد الباحث أن 1,277 فردا من مجموع 2,027 أي حوالي 63% اختار البرامج العربية لأطفاله، 236 فردا أي حوالي 11% اختار البرامج الفارسية، و 514 فردا أي 25% اختار أن يعرّض طفله لبرامج عربية وفارسية. إذن اتّضح للباحث أنّ نسبة كبيرة من الأسر العربية ترغب بأن تعرّض أطفالها لقنوات عربية وما تملكها هذه القنوات من عناصر التفوق العلمي والمعرفي واللغوي مقابل القناة الواحدة(پويا) التي تبث بالفارسية؛ وهذا مؤشر إيجابي يمكننا أن نبني عليه الكثير من دراساتنا المستقبلية.
لا شك أنّ القنوات التلفزيونية تؤثر في تشكيل شخصية الطفل عامة وتكوين لغته خاصة وتأثيرها يفوق أي وسيلة اعلامية أخرى. يشير الكاتب “غيلزاي” وآخرون أن الأطفال يجلسون امام ألشاشات للتسلية واللهو(٤١%)، للتحرّك والانفعال(٢٣%) ، وللتعليم(١٧%). من هنا ينبغي أن تعي الأسرة الأهوازية المهام العدة التي يمكن أن توفرها هذه البرامج والتي أشار إليها الباحث (شرف الدين، ٢٠١٨) في دراسته:
الف)التسلية والترفيه فإنها تحمل الكثير من أدوات المتعة والإثارة وإنها تقدم القصص والأغنيات والمسابقات
ب)تنمية الطفل وتزويده بالمعلومات والمعارف المتعددة وتوسيع مداركه.
ج)إثراء المحصول اللغوي ودائرة المفردات والمصطلحات العربية في ذهن الطفل وتؤكد بعض الدراسات أن الأطفال الذين يشاهدون هكذا برامج قبل الذهاب للمدرسة يكون لديهم مخزون لغوي أكثر قياساً مع أقرانهم الذين لا يشاهدون هذه البرامج.
د)تحكيم بعض القيم عند الطفل فمثلا معدل شجاعة الأفراد الذين يشاهدون البرامج أكثر بكثير من الذين لا يشاهدونها.
ه)إرشاد الطفل وتعليمه وتنمية مجالات مختلفة فيه كالمجال الثقافي، الاجتماعي، النفسي، المعرفي، الصحي،الأخلاقي والجمالي.
بالمقابل ينبغي أن تدرك الأسَر الأهوازية أيضاً أن برامج الأطفال عامة يغيب فيها التفاعل اللغوي ويحذر بعض الباحثين من أضرار جلوس الأطفال لساعات طويلة أمام الشاشات دون كلام وهذا قد يؤثر سلبا على تطور اللغة التفاعلية لدى الطفل. بعبارة أخرى سيخزن دماغ الطفل مفردات ومصطلحات عربية كثيرة ستمحى منه إذا لم يستخدمها في حياته اليومية مع أفراد أسرته أو أقرانه. إذن ينبغي أن يصاحب مشاهدة البرامج التعامل والتفاعل بين أفراد الأسرة وبين الأطفال وأقرانهم حين المشاهدة وبعدها وهذا يعدّ أمرا رئيساً في تنشيط المفردات والمصطلحات الكامنة في دماغ الطفل والذي يضع اللغة في موضعها الاجتماعي-التعاملي.
في الختام نذكّر أنّ هناك عوامل أساسية تؤثر على نموّ واكتساب اللغة الأم لا تقتصر على مشاهدة البرامج العربية بل هناك عدة طرق لتحكيم اللغة عند الطفل منها قراءة القصص العربية بصوت واضح ولغة عربية سليمة، دمج الطفل مع أقرانه وزيادة التفاعل اللغوي في اللعب، مشاركته في المناسبات والنشاطات، تحفيزه على التحدث والخطابة، محاولة تحفيظه أشعارا من الأدب العربي و…بالتالي إنّ مجتمع الطفل الصغير أي أسرته تعد حلبة التدريب الرئيسية لتنمية اللغة الأم.

*وافر الشكر لكل من شارك في عملية جمع الإحصائية

المصادر التي راجعها الباحث:

Gilzai, Shazia Akbar & others.(2017). Impact of Cartoon Programs on Children’s Language and Behavior. Published in: www.researchgate.net/publication/323523698

-بالخضر، أحمد وطليبة، سلوى. أثر الفضائيات العربية الموجهة للأطفال في التحصيل اللغوي للطفل ماقبل المدرسة. أطروحة لنيل الدكتوراه. جامعة قاصدي مرباح ورقله. ٢٠١٧.

-بعلبكي، رمزي منیر وآخرون. اللغة والهویة في الوطن العربي: إشكالات تاریخیة وثقافية وسیاسیة. بیروت: المركز لعربي للابحاث ودراسة السیاسات، ٢٠١٣.

بوسامر، سعيد. أنا لغتي: دراسة حول أهمية اللغة الأم وتنميتها في الأهواز. الأهواز: نشر قهوة، ٢٠١٩.

-رنا يوسف المصري أخصائية النطق
المصري، رنا يوسف. أثر مشاهدة التلفاز على تطور اللغة لدى الطفل. نشر في
www.al-watan.com/new ٢٠٢١

-شرف الدين، عزةمحمد رزق. برامج الأطفال الفضائية ودورها في تأصيل اللغة العربية لدى الطفل ما قبل المدرسة. مجلة الطفولة العربية. العدد ٧٨.

-غانم، ريهام. تأثير التلفاز والشاشات على تطور لغة الطفل. نشر في www.marshmallowmom.com

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات