خرج أبو جاسم من البيت وتناولت حقيبتها أمّ جاسم وتبعت خطاه، يهرول من شدّة الوجع الّذي أصاب معدته.
– ألا تريد أن أحضر لك معي لقمة خبز بسيطة، منذ يومين وأنت على لحم بطنك.
– أرجوك يا أمّ جاسم لا تحدّثيني وأكرميني بسكوتك.
– عزيزي، منذ فترة وأنت على هذه الحالة، لم تأكل جيّدا ولا تحدثنا حتّى. ربّما أصبت بالتوحد.
– كأني يا عزيزتي، لا أعجبك!
أطرقت رأسها وهي تتبع خطاه نحو المستشفى ولم تتفوه بأي كلمة.
منذ عام بدأ سيّد عاصي لا يتحدّث مع عائلته بحجة الإرهاق والتّعب وضغوط العمل والتّحولات الاقتصادية، مما أدّى إلى انهيار أم جاسم. كلما حاولت أن تتحدّث معه عن سبب ابتعاده عنهم كان ينهرها ويقذفها بكلمات ركيكة على أساس إنّها غير متعلمة ولا تفهم بأمور الحياة الزّوجيّة.
في الطّريق بين الفينة والأخرى كان يرمقها شزرا:
– قد قلت لك عدة مرات إنني لا أريد أن ترتدي عباءة سوداء، تعلمي الأناقة من النّساء الأخريات. ألاّ ترين كيف يضعن أحمر الشفاه؟!
– يا زلمة، لقد نشأت في أسرة ذات مبادئ أخلاقية وفي هذا العمر، كيف تريد منّي أن أتصرف ضد مبادئي؟
تنهد أبو جاسم قائلا:
– لا فائدة منك.
كانت مسافة صغيرة تبعدهم من موقف السيّارات الّذي أنشأته إدارة المشفى حتّى ارتطما بسيّارة فخمة تحمل خلفها لوحة المنطقة الحرّة. ترجّل أبو جاسم و هو يتأفف على حظه الّذي جمعه بها.
حين رأته يبتسم ويتقهقه مع الشّقراء الطويلة كانت تنوي أن تنزل من السيّارة لإعانته…