التعلیم أساس ترقي المجتمعات والدراسة أساس استمرار الثقافات أو موتها؛المجتمع الذي لایملك تعلیماً غنیاً وغزیراً ؛لن ینمو ولن ینجح افراده ابداً.
«1»
عندما انفصلت وظیفة التعلیم عن عاتق العائلة وبدأت تتشکل جهات خاصة لتربیة وتعلیم الاجیال الحدیثة للمجتمعات تَوجَب علی کل مُجتمع ان یصوغ ادوات ومصادر ومواد تعلیمه حسب ثقافته وطریقة عیشه وما یؤمن به افراده
لانفصال التعلیم عن عاتق العائلة فوائد جمه؛ولکن لهُ اضرار ایضاً
فحین تختلف الثقافات في حدودٍ جغرافیةٍ و دولیةٍ واحده یصعب علی افراد هذه الثقافات المختلفة الاحتفاظ بما یخصها في حین دراستها مایخص غیرها«مثلاً دوله واحده لها ثقافات مختلفة ومتفاوته ولکن المواد التعلیمیه فیها موحدة»
ومن جانب آخر یصعب علی افراد المجتمع دراسة المصادر الموضوعة قانونیا لکل ارجاء هذه الحدود الجغرافیة مع احتفاظها بمصادر ثقافتها
فهنا نشاهد تعارضاً بین الاثنین وان لم یکن تعارضاً فهو اختلاف فاحش علی الاقل!
«2»
قد اثبتت الدراسات في قسم علم الاجتماع وعلم النفس وکیفیة تطور الفرد في داخل المجتمع أن الفرد الذي لایتلقی تعلیما دراسیاً یمثل بیئته وثقافته وحیاته ومایراه في عائلته من موروثات ثقافیه ویتوجب علیه ان یدرس مادةً لم ولن یألفها في ما رأه من بیئته سیواجه مشاکل نفسیة ودراسیة کثیره وسیقل فکره الابداعي وتتقلص محبته للعلم والمعرفة الی حد کبیر حتی یصل الی مرحلةٍ یعتقد فیها عقلهُ اللاوعي أن الدراسة والتعلیم تمثلان خطرا کبیرا علی ثقافته وشخصیته الاساسیه ویجب علیه تجنب الانهماك بالدراسة والاهتمام بها حتی لایضیعَ او ینسی ثقافتهُ وما ورثه عن ابائه واجداده«هذا السبب الأساسي او الشبه الاساسي لانحطاط المستوی الدراسي في الاقلیم»
وبالمقابل قد یتسبب هذا الانفصال بین الثقافة التي تخص المجتمع والفرد وبین ما یوجبه علیه القانون من مواد للتعلیم والدراسة الیٰ خلق ازمات نفسیه وضغوط عقلیه قد تبقی مع الفرد الی اخر حیاته وقد تأثر علی عمله وعلی الاجیال اللتي تلیه سلباً.
ونحن نمثل المعیار الکامل لهذا المجتمع فقد شهدنا من طفولتنا تعارضا بین مانتعلمه بالمدرسة وبین ما تعلمناه في عوائلنا
«3»
ثم ان بعض العوائل لضمان مستقبل اطفالها الدراسي والمهني رأت نفسها مضطرةً للتخلي عن بعض ثقافتها«تجنب التکلم باللغة الأم مثلاً» في سبیل نجاح اطفالها دراسیاً ومهنیاً!وهنا تحتار العائلة بین نارین في اغلب الوقت
بین ضیاع مستقبل الطفل دراسیا ومهنیا
وبین ضیاع موروثها وثقافتها ولغتها
فالأمران في غایة الصعوبه ولا نجد الاقلیلا من العائلات قد استطاعت المحافظة علی ثقافتها في حین ضمان مستقبل اطفالها الدراسي.«اقلیة ضئیلة جداً ولکنها في حالة نمو»
«4»
بعد انفتاح المجتمعات علی بعضها وبعد ان دخلنا زمن انقلاب المعلومة واصبح الحصول علی المعلومة السلبیه والایجابیه امرا اسهل من الحصول علی لقمة خبز فقد وجب علی الطبقة المتعلمه او المثقفة والمصلحة من کل مجتمع ان تصوغ قوانینا وتعهدات شفهیة وعرفیة تستطیع الحفاظ علی المستحسنات والایجابیات في ثقافة مجتمعها ومن ثم السعي الی تصدیرها وبالدرجة الثانیة بعد القناعة التامة بثقافتها وبعد التأمل برمزیاتها و وصول افرادها الی مرحلة من العمق والقناعة بما تمتلکه ثقافیا ان تستورد ما هو مفید من الثقافات المجاوره الاخری وان تضیف لها تعدیلات تلائم طبیعة حالها.
لقد ولی زمن الحروب الدمویه والمقاطعات السیاسیه والاحزاب والانقلابات وما الی ذلك من امور فالیوم کل الحروب تجري بهدوء حیث لایعلم الشخص والفرد انه مستهدف من قبل طرف آخر
اصبحت الحرب الیوم حرب ثقافة ومعلومة واقتصاد فمن غلبت ثقافته ونمی اقتصاده وزادت معلوماته فله الافضلیه والاحقیه بالحیاة الکریمة.
«5»
نحن لانستطیع الرجوع الی زمن المجتمعات القبلیه التي کانت مغلقة علی بعضها بدون تبادل واخذ وعطاء فکما نصدر التمور ونستورد الموز الیوم یجب علینا تصدیر ثقافة واستیراد ثقافة اخری ایضا؛فبهذا الانفتاح العالمي وبما ان العالم اصبح قریة صغیره فقد وجب علی مجتمعات العالم ان تتبادل المفید وتترك المضر!
طبعا کما ان للمبادلات التجاریه والاقتصادیه قوانینا
فإن للمبادلات الثقافیه والتصدیر والاستیراد الثقافي قوانین ایضا!
فیجب علی المجتمع المستورِد الحفاظ علی ثقافته وتعلیمها للاجیال القادمه وترسیخها في اذهان افراد المجتمع ومن بعد ذلك یستطیع استیراد ما یشاء من المجتمعات المجاوره والغیر مجاوره.
«6»
للاسف الشدید نشهد الیوم ضیاع ثقافتنا بین تفریطٍ متمدنٍ بحجة النجاح الدراسي والمهني؛وبین افراطٍ بدائيٍ بحجة الحفاظ علی المواریث الثقافیه فلا هذا نجح مهنیاً کفردٍ ینتمي لثقافته ومجتمعه؛بل التصق والتحق بمجتمع آخر وثقافة اخری خوفاً منه علی دراسته ومهنته ؛ولا ذاك حافظ علی موروثه الثقافي ولغته کفرد متمدن غیر متطرف ولاقبلي بل واضاع قسما کبیرا من ثقافته خوفا منه علی الظواهر والسطحیات من الثقافة واضاعةً منه للرمزیات والاساسیات منها.
ما الحل؟
الاعتدال طریق النجاح والوسطیة حلٌ لکل المشاکل
والحیاد مذهبٌ للذین یدرسون المجتمع ویأملون بطرح حلولٍ تکون منجیة له ولهم
فإن الباحث او الکاتب او المحقق ان وقف علی حافةً ونظر الی الموضوع من جانب واحد خفت عنه جوانب وشتت عنه معلومات وحقائق کثیره
یجب علی الباحث والکاتب النزول الی مکان غیر الذي هو فیه الیوم؛یجب علیه النزول الی الحیاد الذي بدوره یجبره علی النظر الی المشاکل والظواهر من کل جانب بدون ان تأخذه حمیةٌ علی شیئ او استصغارٌ لشئ آخر
«ننتظر متأملین یوماً یصل به مجتمعنا إلی ذروة نشاطه وفعالیته و وعیه ولن یصل هذا الیوم إلا بعرق جبین ابنائه وتربیة ابناته واقلام مثقفینه»
علي فاخر