بدأت حبات العرق تتساقط وتنزل علی جبينه ،فأخذ يمسحها بأكمام قميصه الأزرق ،وقف عن العمل وجلس علی الأرض كي يستريح قليلا. نظر إلیهم لاحظ فهم ايضاً وجوههم متعبة ،قواهم مستنفذة وملابسهم ملتصقة على أجسامهم من شدة العرق وبهذه الحرارة ملتهبة متواصلين في عملهم.
نهض فاروق من مكانه وعاد إلى العمل من جديد مع الأصدقائه العمل .حسّ قد اهتزت البنایة ،فجأة انشق السقف وإنهار جدرانه وحفنات التراب ظللت تنهال على روؤسهم
تسلخت جلودهم ،كسرت عظامهم وسالت دمائهم
ثم مرت لحظات في الصمت …
فرك عينيه ومسح الغبار ،شعر بالدوار و برودة تسيل علی وجهه، وضع يده.. تلطخت بالدم التي كان ينزف من رأسه ،
وزع نظراته على مساحة الضيقة بين الصخر والحديد عالق فيها ،وجد بقربه ذراع مبتور مغطاة بالأتربة إنتابه رعب ،مدّ یدی وهو يتفحص ذراعه وقلبه يخفق ….
وراح ينبش في الأتربة ومن بين قطع الحديد يحاول ينقذ نفسه من هذه الحفرة ولكنه لايستطيع الحركة والنهوض
تعالت أصوات وصراخ من كل صوب وحدب …نساء ولاطفال
وعشرات من العمال عالقين تحت الأنقاض وبين الاكوام ،كل منهما تجاه الآخر ،وبدأوا يستغيثون…
_نحن هنا …..مازلنا أحياء
….هل تسمعوننا …
ألم تسمعون أصواتنا …
…..أنقذونا ….. نحن هنا.
صرخ أحدهم بصوته المخنوق :
_أينكم يا فريق الإنقاذ ؟؟لماذا لم تأتي لإنقاذنا ؟
لو أرواحنا لاتهمكم !!؟؟
رد أحداً متسائلاً:
-وأين عبدالباقي ؟؟أين أختفى ؟ فحین اتصلنا به وأخبرنا بأن متروبول قد أهتزت ،فقال لنا ،أنتم متوهمون !! لاتتركوا البناية وعودوا إلى عملكم …
صاح آخر وبح صوته :
_أكاد أختنق ……نحن بحاجة إلى الهواء…أية قلوب لديكم !!!!
اختلط الليل بالنهار ومضت ساعات وأيام ،لم يعد امامهم سوى أن ينتظروا ومرت لحظات لهم بين اليأس والأمل وكلما تأتيهم أصوات ،يرددون كلمات بدون أرادة ،بأنهم مازالوا أحياء ..ثم ضاعت أصواتهم ولم تصل لهم أصوات سوى أصوات اطلاق الرصاص.
فاروق ازدادت آلامه وباتت لاتطاق وجف حلقه من العطش
و بقى صوته يخفت حتى أصبح همساً ولايسمعه أحداً
ويغمى لدقائق ولساعات ويفز بضجيج وصراخ..
وأنفاسه تتسارع وتضيق وعدم القدرة على يأخذ نفساً
وبدأت تتردد بصعوبة حتى تحولت إلى شهقات فظلت عيناه تدوران ويلتفت إلى يميناً ويساراً ،يسمع صوت طفله ينادي…
أينك أنت يا أباه ؟؟؟
ومتى ترجع؟؟
ً