الحَربُ لغةً واصطلاحاً/ياسر زابية

الحَربُ لغةً واصطلاحاً/ياسر زابية

الحرب هي المفردة التي تتكون من ثلاثة أحرف لكنها تحمل في طياتها مفاهيم القتل والنهب والخراب والدمار والتهجير ،وكثيرًا ما شغلت العالم بأخبارها وآثارها وأضرارها، لذلك أحاول في هذا المقال أن أُسلّط الضوء على هذه المفردة من حيث المادة اللغوية والمصطلح مستعينًا بالمعاجم اللغوية والشعر الجاهلي.

الحرب لغةً:

الحَرْبُ مصدر لفعل متعد ثلاثي : حرَبَ، يَحرُبُ، حَربًا، و اسم فاعله “حارِب” واسم مفعوله
“مَحروب”و جمعه “مَحاريب”.

حرَبَهُ بالحَربة: طعنهُ بها.
جمع الحَرب لغير المصدر: حُروب

و إما حَرِبَ،يَحرَبُ ،حَرَبا :فعل ثلاثي لازم ؛ فهو حَرِب و الجمع” حَربَى”.
رجلٌ حَرِب: شديدُ الغضب.
حرِبَ الرجلُ: اشتدَّ غضبُه.

مفردة “الحَرب” نقيضة السِّلم، وهي مؤنثة وقد تُذكّر على معنى القتال،وتصغيرها “حُرَيْبٌ” بغير هاءٍ : اِندلعت الحربُ.

الحرب اصطلاحًا:

كما ورد في المعاجم اللغوية فالحرب هـي “القتال أو النِـزال” بين فئتين متخاصمتين أو مجموعات متخاصمة لم يتم التفاهم بينها ولم تسلك الطرق السلمية المتعارف عليها وتعجز عن ضبط النفس نتيجة الخلافات الحادّة والمصالح سواء كانت شخصية أو وطنيّة أو توسعيّة أو بغية الدفاع عن الحقوق والأراضي أونتيجة غطرسة الفكر التوسعي السلطوي الذي يؤدي لاحتلال بلاد أخرى أو سعيًا للاستقلال و تحرير البلاد والعباد من دنس المحتلين .

وعادة ماتكون الحرب غير عادلة ، وغير متكافئة حيث كل من طرفي النزاع يسعى جاهدًا لتدمير الطرف الآخر بكل مايملك من قوّة وسلطة.

الحرب في القانون الدولي:

عادة ماتسمى الحرب في القانون الدولي بالنزاعات المسلحة سواء كانت هذه النزاعات بين دولتين أو عدة دول، أم بين مجموعات مختلفة في دولة واحدة كالحروب الأهلية.

القانون الدولي الإنساني الذي يُعرَف باتفاقيات جنيف التي قد بدأ توقيعه سنة 1864م، هو مجموعة قواعد دولية تعين مايجب فعله ومالايجب فعله أثناء النزاعات المسلحة، و تعتبر اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية التي أُضيفت فيما بعد جوهر هذا القانون.

ولاشك أنّ الهدف الأساسي من تنظيم هذا القانون هو الحدّ من استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة أو من الآثار الناجمة عنها وإسعاف الجرحى ومراعاة الأسرى و حماية المدنيين وإنقاذ أرواحهم ، والتخفيف من معاناتهم والحفاظ على ماتيسّر من الإنسانية في الحروب التي تحرق الأخضر واليابس، وكثيرًا ما لاتخضع لقواعد معينة وتحصد أرواحًا بريئة دون رأفة ورحمة.

اُستُخدِم مصطلح القانون الدولي الإنساني بديلًا لمصطلح قانون الحرب نظرًا لتحريم ميثاق الأمم المتحدة الصريح للحرب،و استُبدل اصطلاح قانون الحرب باصطلاح قانون النزاعات المسلحة،بناء على انسجامه وملائمته مع التحول في النظرة الدولية للحرب.

لم يكن القانون الدولي هو أول قانون يهتم بالأمر الإنساني ولم تكن الأمم المتحدة في القرون المتاخرة هي أول مؤسسة تشجب الحروب وتقوم بمساعي حميدة تحاول من خلالها حلحلة القضايا العالقة بين الدول، بل يعود عصا السبق للعرب منذ القدم حيث نذكّر بهَرِم بن سِنان والحارث بن عوف كيف لم يهدأ لهما بال عندما نشبت الحرب بين قبيلتي عبس و ذبيان، وكيف هذان الرجلان النبيلان الكريمان تحملا ديات القتلى ونشر السلام في المجتمع!، علمًا أنهما جادا من مالهما وما يملكانه حتى ضُرِب المثل في هَرِم” أجودُ من هرم”، بينما الأمم المتحدة لاتجود إلّا بمال غيرها أي دول الأعضاء، وهناك فرق شاسع في الجود والكرم بين من يجود بماله ومن يجود بمال الآخرين:

يجودُ علينا الخيّرونَ بمالهِم
ونحنُ بمالِ الخيّرينَ نجودُ !

وهذا الكرم والعطاء العربي من هذين الرجلين النبيلين المُصلحينِ لم يمرّ مرور الكرام على حكيم العرب في العصر الجاهلي زهير بن أبى سلمى الذي مدحمهما إجلالًا لجهودهما وعطائهما في سبيل وقف الحرب وتوطيد دعائم السلام في الجزيرة العربية.فقال زهير في معلقته مادحًا هذين الكريمينِ الخيّرينِ:

يَمينــاً لَنِعــمَ الـسَيِّـدانِ وُجِـدتُما
عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكـتُمـا عَبـسًـا وَذُبيـانَ بَعدَما
تَفانوا وَدَقّـوا بَينَهُم عِطـرَ مَنشِمِ
وَقَد قُلتُما إِن نُدرِكِ السِلمَ واسِعًا
بِمالٍ وَمَعـروفٍ مِـنَ الأَمـرِ نَسـلَمِ

آثار الحرب:

للحرب أضرار كبيرة على المجتمعات الإنسانية وتتسبب في قتل كثير من الناس خاصة الأبرياء منهم وتهجيرهم وتدمير مساكنهم ومدنهم وأريافهم وممتلكاتهم، وتعيق التقدم البشري المأمول في حالة السلم، وتدمّر ثروات الشعوب وتحرم الأجيال الآتية من استثمارها إضافة إلى ماتفعله باقتصاد الدول والشعوب.

فإذا دقّ إسفينها وحُمِيَ وطيسها فلانتوقع إلّا الموت والويل والدمار والخراب ولايتنفس فيها الإنسان الصعداء ولايشم رائحة الأمن والأمان إلى أن تضع أوزارها وتخمد نيرانها وتقف رحاها .

وكانت كلمتا “الوقائع و الأيام” تستعملان بمعنى الحرب عند العرب.ولم تكن الحرب الخيار الأمثل لدى العرب في العصر الجاهلي بل أُجبروا على خوضها نتيجة الظروف البيئية والاجتماعية القاسية التي فرضت عليهم.وما أحسن قول الشاعرالجاهلي زهير بن أبي سلمى حين قال في وصفها:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُـوَ عَنـها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتـى تَبعَثـوها تَبعَثوها ذَميـمَةً
وَتَضـرَ إِذا ضَـرَّيتُمـوها فَتَضـرَمِ
فَتَعـرُكُّـمُ عَــركَ الرَحـى بِثِفـالِها
وَتَلقَح كِشـافاً ثُمَّ تَحمِـل فَتُتئِمِ
فَتُنتَـج لَكُم غِلمـانَ أَشـأَمَ كُلُّهُم
كَأَحمَرِ عــادٍ ثُمَّ تُرضِـع فَتَفطِمِ

وهذا عمرو بن معد يكرب بن ربيعة بن عبد الله الزبيدي فارس اليمن، وصاحب الغارات المعروفة والحروب الكثيرة يصف بشاعة الحرب والندم الذي ينتاب الإنسان منها في نهاية المطاف:

الـحَــرْبُ أَوَّلُ مـا تـكـونُ فَـتِـيَّـةً
تَـسْــعَى بِـزِيْـنَـتِـهـا لكـلِّ جَـهُـولِ
حتى إذا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُها
عَـادَتْ عَـجُـوزًا غيـرَ ذاتِ خَلِيـلِ
شَمْـطَاءَ جَـزَّتْ رَأْسَــهَا وَتَنَـكَّرَتْ
مَـكْـرُوهَـــةً لِلـشَّـــمِّ والـتَّـقْـبِـيـلِ

الغَزو:
“مصدر غَزَا بمعنى الخروج لملاقاة عسكرية مع الأعداء سواء وقعت المعركة أم لم تقع.

أَغَارَ على العدوِّ غَزواً : سار إِلى مُحاربتِه وَقتالِه في عُقرِ ديارِه.

سيطرة على دولة أو منطقة بواسطة قوّات مُسلَّحة أجنبيّة.

غَزوَة: مصدر مرّة من “غزو ” و جمعها غَزَوَات وغَزوَات، و غُزاة جمع
غاز ( غازي).”

أنواع الحروب:

للحروب أنواع وردت أسماؤها في

المعاجم اللغوية،منها:

حربٌ باردةٌ:كيد كل من الطرفين المتخاصمين لخصمه دون أن يؤدي ذلك إلى حرب.

حربٌ عالميةٌ: حرب تشترك فيها دول العالم.

حربٌ أهلية: صراع مسلك يقع بين أبناء الوطن الواحد ومنها الحروب الطائفية.

حربٌ خاطفئة: هجوم سريع ومفاجئ تشارك فيه قوات جوية وبريّة مبنية على مبدأ الهجوم الصاعق.

حرب استنزاف: مناوشات حربية غير متصلة بقصد استهلاك قوى العدو و إفناء موارده.

حربٌ إعلامية: حرب تقوم بين أجهزة الإعلام في الدول المتنازعة.

حربٌ نفسية: محاولة التأثير على المعنويات في أوقات الحرب .

حربٌ وقائية: حرب دفاعية يراد منها حماية البلاد من غزو محتمل.

حربٌ فكريّة أو علميّة: حرب علمية تقوم على تسابق على قدم وساق من أجل الغلبة والسبق وانطلقت شرارتها من عواصم أوروبا.

حربُ جمركية: قيام دولة بزيادة رسومها الجمركية على سلع مستوردة من بلد أو المصدّرة إليه واتّخاذها هذا البلد إجراء انتقامي مماثل. “

ياسـر زابيـه
الأهواز /٢٤فبراير٢٠٢٢

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات