الحاج إغليم، رجل الشموخ والتواضع/توفيق فلاحية

الحاج إغليم، رجل الشموخ والتواضع/توفيق فلاحية

طوال سنتي 2015 و 2016 م خلال الدراسة الميدانية التي أجريتها لكتابة تقرير خور الدورق كانت لي عشرات الجلسات مع أناس کثر كانوا قد ترعرعوا في منطقة الخور؛ من أبرز هؤلاء هو الحاج إغليم ابن إفضيل الذي حُفِر في ذاكرتي لِسِمات مهمة تميزت به شخصيته.


الحاج إغليم ابن إفضيل آل بوصبيح (دريس – بني كعب) من مواليد نهر اشناوه في منطقة أوشار المجاورة لخور الدورق الذي يُعد مَعلَما حضاريا لما له من صلة بتاريخ مليء بالاحداث الساخنة على مدى قرون من الزمن؛ تاريخ غُيِّب من ذاكرة الاجيال.
حتى العقد الماضي، كبار السن الذين عاصروا بدايات احتضار خور الدورق كانوا يتجاوزون العشرة أشخاص إلا أنّ الموت خطفهم واحدا تلو الآخر والحاج إغليم قد لا يكون الأخير في هذه القائمة؛ لكنه بلاشك الأكثر أهمية من بين معاصريه فيما يتعلق بتوثيق تفاصيل خور الدورق وتاريخه المندثر.
الحاج إغليم صاحب الشخصية الرصينة المهذبة والروح الأبوية كان من اصحاب الأراضي في منطقة “أوشار” وكما هو الحال بالنسبة لسكّان “اوشار”، فقد مارس في شبابه مهنة الزراعة وغرس النخيل وکان مُلِمّاً بكل تضاريس الخور وأجزاءه وعلى دراية بتقاليد سكانه وشتى انتماءاتهم وأحوالهم ومواردهم الاقتصادية.
في الحقيقة، يعتبر الحاج إغليم من نوادر الشخصيات التي تعرفت عليها، فقد أثار حماسي لما يتمتع به من ذكاء اجتماعي عال جدا منحه علاقات واسعة النطاق، فضلا عن ذاكرته الخارقة فهو رغم كبر سنه، الا انه كان يسرد تفاصيل دقيقة حول أحداث وتطورات شهدتها منطقة اوشار في الحقب الماضية وفقا لمشاهداته دون زيادة او نقصان.
الحاج إغليم المعروف بأبي رحمة لطالما شرح ذكريات وأحداث عاشها وكان يُعد شاهد عيان عليها أو معلومات بلغته من اشخاص موثوقين، كما أنه كان يوجز سرد المعلومات ويتحاشى تفاصيل غير ضرورية، ولم يكترث بشان الإشاعات التي كانت تلقى رواجا في شبابه وكان يتحدث بما هو متيقن منه فقط.
توفي مؤخرا الحاج إغليم عن عمر يناهز ال90 عاما، كما سبقه في الموت خلال السنوات الماضية الحاج عبدالله ابن علوان آل بوغبيش والحاج اقطيف إبن خلف عساكرة و زاير علي إبن اخضير عساكرة وملة جعفر إبن ملة يوسف الحريفي وحجي محمد إبن إخضير آل بوغبيش ورمضان بوشهري (رمو) وغيره من كبار السن. وإننا بذلك قد فقدنا معظم الأشخاص الذين يعتبرون مصادر هامة للتاريخ الشفوي الأهوازي ممن يمكن الاعتماد على مشاهداتهم الخاصة بمنطقة الخور حيث ولدوا في بدايات عصر البؤس والجفاف الذي القى بظلاله على منطقة الخور وحوّلها إلى مدينة أشباح حيث غابات النخيل في الغالب قضت نحبها وتهشمت واندثرت تماما او في طريقها إلى الزوال وأخرى لا رؤوس لها تقف منتصبة القامة تأبى الانحناء.

توفيق فلاحية/فبراير ٢٠٢١

أنا مثقف الأهواز

تصنيفات