- بقلم: مصطفی النیسي
بعد مضي قرن عن تقسيمات سايس بيكو أصبحنا نشاهد المجتمع العربي والإسلامي مصابا بأمراض استعمارية مثل التبعيد والعبودية، الاستثمار والتخلف والجهل وعبر السنوات الماضية يسعی لعودة الروح الجهادية والتحررية لهذا الجسد الشاحب.
حيث قام المفكرون بكتاباتهم وقيامهم بواجبهم الريادي للأمة والدفاع عن الهوية والحضارة التي لا يزال الكيان الاستعماري يقوم بتشويهها، حيث تداول المثقفون خطابات ومنشورات تدل على مدىٰ خطورة الأزمة التي تعيش فيها المجتمعات العربية والإسلامية ومن ضمن هذه القائمة نشاهد اسم المفكر مالك بن نبي والكاتب والمعلم علي شريعتي وغيرهم من الكتاب حيث كانت لديهم الشجاعة للجهر والإفصاح عن العداء لهذا المشروع المبني على الثقافة الغربية والإشهار بذلك.
وكان المعلم الجزائري مالك بن نبي ضمن من أشهر سيف نقده علىٰ خطة التحديث وتمثل في وعي المجتمع الجزائري خاصة والعربي والإسلامي عامة.
وقد قام بتأليف عدة كتب من ضمنها شروط النهضة حيث يتمحور هذا الكتاب حول نقد المجتمع العربي الجزائري ومواصفاته الدينية حيث أصبحت منصهرة ذات تمايلات للاستعمار، مندمجة مع الهندسة الثقافيه الفرنسية الاستعمارية لتكون أقل خطورة وأقل وعياً للشعب الجزائري -كما نشاهد الآن ما يقوم به بعض أبناء الشعب الأهوازي من تعاملات تسعى للانحطاط الفكري وقلة الوعي للشعب داعية بذلك التثقيف وإظهار الثقافة العربية لباقي أفراد المجتمع ساعين بذلك لدعم المشاريع الاستعمارية والوصول لأهدافهم المادية وهذا لن يكون مستورا أمام أبناء مجتمعي.
قام المفكر مالك بن نبي بكتاباته وخطاباته واضعاً ملاحظاته لتداعيات ذلك التناسق وكيفية قيام النموذج العربي الاستعماري أو الجزائري-الفرنسي سلبياً على الأمة حيث يشير المفكر في بداية خطاباته إلى رؤيته من التجربة السياسية للمستعمر ويراها ذات تطبيق واف للعمل وتحقيق فعال للفكر الليبرالي وقد يشير إلى أن التجربة حققت فشلاً أصاب جميع جوانب حياة الفرد المسلم وإلى عصرنا الحالي نشاهد موجاته السلبية من الازدواجية الفكرية لدى المسلم الجزائري والضياع الشديد للغة العربية وغيرها من أزمات ومن جهة أخرى يرى أن التجربة الليبرالية الغربية في العالم العربي، فكرة فاشلة لا عودة لها ويتوعد بأن كلما أقام الغربيون تلك الفكرة سيواجهون الفشل والدليل على ذلك هو أنها غير متناسقة مع التربية الإسلاميه ومن هنا يقترح المفكر الحل ويرىٰ أن الحل يكمن في عودتهم للسلوك الإسلامي العربي وردم الثقافات الفاصلة بين أبناء الأمة وبين هويتهم وجذورهم التاريخية المترابطة مع الأمم الإسلاميه الناهضة والتخلص من البدع الفكرية الجديدة المستحدثة الصادرة الغربية.
ويشير بذلك إلى أن الديمقراطية العربية لم تولد ولم تعش حالة طبيعية فالاستعمار الغربي يمثل طرفاً مؤثرا وفاعلاً على النظام السياسي وتلك المؤسسات ولم يكتف باحتلال المجتمع ونهب ثرواته! بل كانت له تدخلات إنكشارية مسّت روح النظام لدعم حلفاءه وموالينه في جميع مناسباته السياسية كالانتخابات وغيرها إن لم يكن منصوبا ديكتاتوريا! ومن جهة أخرى ضعف الطبقة الوسطى نتيجة لذلك الضعف وعدم القدرة على تحقيق الصيانة من الرأسمالية وحلفاؤها
ومن المضحك أن يتنافس المنتج الفكري والثقافي وأيضا المادي الغربي مع مجموعة من هشاشة الحضارة العربية والسياسية لعموم الناس ويرى كاتب شروط النهضة أن المجتمع عندما يفقد مشروعه الحضاري ويترك أهدافه سيهتم بالشكل الظاهري الفاقد للعمق غير نافع لدينهم ودنياهم. بزغ هذا الضم كما هو يقول في تاريخ الجزائريين مع إندماجهم بحياة سياسية جديدة وانشغل المثقفون ودعاة الدين بالترويج للدعاية السياسية واللهث وراء المصالح الفردية وهذه الحالة كما نشاهدها الآن لا تقتصر على الجزائريين فقط! ولا يخلو الشعب الأهوازي كما هي الحال مع نظيره العربي من تلك المعاناة.
يقول مالك بن نبي إن الحكومة آلة جماعية تتغير تبعاً للمناخ السياسي الذي تعيش فيه فإذا كان المناخ والمجتمع نزيهاً حراً فلن يستطيع الطاغية والمستعمر التواجد فيها ولو كانت مسمومة فلا بد أن تكون تابعة لكيان استعماري أو خاضعة لطاغية ظالم وقول بن نبي جدير “بالتركيز” فهو يقصد العوامل الداخلية التي هي من أساسيات هبوط الأمة ونضوجها وعدم إلقاء الذنب على الاستعمار كاملاً وسشير إلى أن الحضارة تحتاج لنهضتها أن تنتج مدعومة بالانسان، التراب والوقت انبعاثا بالعقيدة والدين ويستدل بقوله إن جميع الحضارات لا تنبعث إلا بمذهب ويجب البحث عنها وعن أصلها الديني ليصل إلى مثال رائد في فكر الشيوعي ماركس فيقول: تخفي التكوين الحقيقي للظاهرة الشيوعية بفصلها ظاهريا عن دور الحضارة المسيحية هو تجاهل متعمد لجوهرة تلك الحركة. ويتدخل الكاتب في موضوع شائك يجبره على استخدام مقارنات اجتماعية لا يسمح المجال لنقلها هنا.
ويتحدث من جانب مهم عما يعانيه المجتمع من تقدير للحداثة الاستعمارية حيث ننظر لمنتجاتهم كأنها نتيجة علوم وفنون. بل من الخطأ هنا عندما لا نتذكر أن هذه الصناعات ما كانت لتتواجد لولا الوضعية الاجتماعية التاريخية الخاصة للدول المستعمرة للشعوب بالتذليل والعمالة الرخيصة وتصور النهضة الصناعية الاستعمارية من دونها وهي مبنية عليها.
وفي الأخير ينتقل المفكر إلى قضية ذات أهمية واسعة والتي يعاني منها أبناء الشعب الأهوازي وهي المثقف الحرفي المعروف باسم حامل اللافتات العلمية ويليل الأسرة العربية ذات الفقر المدقع وصاحب القدرة على المتاجرة بالأفكار أيًا كانت وتسويقها دون الالتفات للصراع مع هويته وهو مثال واقع حيث الفرد العربي الأهوازي أعطى ظهره لحضارته وهويته وانبهر بزخرفات المستعمر والخضوع له وتلك هي المصيبة الكبرى.