یتصدی الکثیرون إلی هذه المواضیع ویحسبونها عرَضَا بسیطا یستطیعون إدراکه والوصول إلی ماهیة قوانینه بقراءة بعض الکتب والمقالات السطحیة.
سأضرب لکم مثلا واضحاً جداً عن ذلك:
جاء إلي أحد الأصدقاء وهو یغوص بسلبیته ویخبط بین الحقیقة والخوف والتشاؤم فقررت أنا الآخر أن أعطیه بعض النصائح التي ربما ستساعده بالخروج من هذه الأزمة النفسیة
فقلت له: النعیم والجحیم موجودان في أذهاننا؛ إذا استطعت النظر إلی الجانب الإیجابي من الحیاة و عبرت من جسر الواقعیة إلی أرض الأیجابیة تستطیع الانتصار علی وحش مخیلتك القهار الذي قد امتلك أراض شاسعة من عقلك وأوصیته بقراءة بعض الکتب المحددة في هذا المجال والاستماع لمحاضرات تحفیزیة علی المواقع الإلکترونیة.
انهیت کلامي معه وأنا أری في عینیه نظرة الأمل المتجدد والشجرة التي أزهرت بعد أعوام من الذبول.
لم تمر أیام قلیلة حتی عاد صدیقنا إلي یندب حظه ویرثى نفسه مسلما عقله إلی وحش الخوف والاضطراب القهار عندها أدرکت أنني قد أخطأت عندما قلت له ما قلت ولم أزد حیاته
وتفکیره إلا أملا كاذبًا وتحفیزا اصطناعیاً لم یکفه إلا لبضعة أيام معدودات جعلنهُ یلقي بنفسه إلی جحیم التشاؤم بسرعة وشدة أکبر من ذي قبل فتساءلت مع نفسي ما السبب؟ لقد أصلحت هذه القوانین وهذا العلم الذي یسمی علم النفس الإیجابي حیاتي وطریقة تفکیري فلماذا لم تفلح باجتثاثه من جحیمه؟
ثم سألتهُ ما الذي حدث؟
قال لي: بعد أن قلت لي ما قلت وبعد أن ذهبت أبحث عن سعادتي في النصوص الإیجابیة والمحاضرات التحفیزیة کثرت علي ضربات الدهر ولم یزدني ذلك إلا بؤسا وحسرة
فرجعت إلی ما کنت علیه متیقنا أن لا مفر من الجحیم الأرضي الذي نعیشه؛ولم أزل أندب حظي وأتمنی موتي حتی وصلت إلیك وها أنا ذا تراني أمامك فهل تلاحظ أثرا من الإیجابیة أو النعمة أو الترف الذي یتحدث عنه دجالو الکتب والمحاضرات؟!
کانت صدمة کبیرة أخرجتني من وهم عشته وأردت أن یعیشه صدیقي ودعوت کل العالم لیعیشه!
لنحلل معاً ما حدث علمیاً دون الخوض في وادي الأحاسیس والعاطفة:
ماذا تقول لنا قوانین الإیجابیة والتفاؤل؟
-ما تطلبه یطلبك
– تفائلوا بالخیر تجدوه
-ذهنك هو مغناطیس لما یحدث في حیاتك
– غیّر طریقة تفکیرك وستتغیر حیاتك
وما إلی ذلك من جملات وقوانین کثیرة لاتعد ولا تحصی.
لکن هل هي حقیقیة؟
هل سیحدث ذلك حقاً؟
سیقول لك أتباعها إنها مضمونة ملیون بالمئة.
ولن یخسر من جربها وآمن بها؛ إنها سحر الحیاة الأکبر وسر النجاح الأبهر.
وسیقول لك المتشائمون السلبیون أتباع الفلسفة العدمیة وعشاق نیتشه إنها ترهات یترنم بها السذج حول العالم لیستطیعوا دفع البؤس الذي هو الحقیقة الوحیدة في حیاة الإنسان عن أنفسهم!
ولکن هناك من یقول غیر ذلك؟
نعم أنا سأقول لك غیر ذلك
أنا واقعي؛ لست من أتباع وهم الإیجابیة ولا من المخلصین لمذهب التشاؤمیة.
أثبتت الدراسات في هذا المجال بدأً بفروید إلی اللانهایة المستقبلیة أن للإنسان عقلين؛ الوعي واللاوعي
یسهل إخراج المعلومات وإدخالها من العقل الواعي وإليه ویصعب إخراج المعلومات وإدخالها أو لنسمیها الاعتقادات إلی عقل اللاوعي.
والعجیب أن اللاوعي هذا یتحکم بتسعین بالمئة من انفعالاتنا وتصرفاتنا وأفکارنا.
فهو بمثابة الملهم الخفي للعقل الواعي.
یمتلئ هذا القسم من العقل في الطفولة المبکرة ویکون في هذه الفترة من عمر الإنسان طریاً قابلا للانعطاف والتغییر بسهولة
ولکن بعد ذلك یعني؛ بعد بلوغ الرابعة عشر یبدأ اللاوعي بتشکیل سور منیع حول نفسه وما في داخله ولکن لهذا السور أبواب وللأبواب مفاتیح خاصة.
من لم یتمرن علی الأفکار الإیجابیة ولم یصدقها في عقله اللاواعي ستصبح بمثابة عمل مضاد لما یفکر به وسیؤثر ذلك سلباً علی حیاته
ولن یفیده أبداً ولذلك لم یستطع صدیقنا أن یتغلب علی وحشه ولم یستطع الخروج من جحیمه الأرضي.
إن الإیجابیة تخفق في بعض الأحیان وتأخذ بصاحبها إلی ما یخاف ویخشی وقوعه
فعندما یکون الإنسان متوهما بوهم الإيجابیة
لن یحسب حسابا للإخفاق ولن یفکر أبدا في الحوادث التي یمکن أن تحصل لهُ في حیاته مستقبلا
عند ذلك سیتحطم صنمه الذي عبده في جمیع أوقاته بأصغر أزمة تحدث له
فیجب علی الإنسان أن یکون واقعیا قبل أن یکون إیجابیا وأن یکون مؤمناً بأن ما یحصل خیر حتی لو کان ظاهرهُ شراً. وأن یحسب حساباً للإخفاق والخساره وأن یضعها في الاحتمالات حتی لاتکون صدمته کبیرة جداً بما سیحدث له من مآسٍ وأزمات.
فعلاً للإیمان والتکرار تأثیر ملحوظ علی حیاة الانسان ولکن هذا الأمر هو واحد من آلاف العوامل المؤثرة علی حیاة الإنسان والسلبیات هي من مسلمات الحیاة ولکن المتوهمون بالإیجابیة یحاولون حذفَ المسئلة بدل أن یحلونها. وهذا أخطر من التشاؤم علی الإنسان. إن السلبیات موجودة في حیاتنا ولاتحذف مهما فعلنا ویجب علینا أن نغیر نظرتنا لها قبل أن ندخل في عالم الأوهام الجمیلة التي لا وجود لها إلا في عقول السذج ولا تتحقق إلا في أحلامهم
علي فاخر