نظرت إلى الساعة بقلق فوجدتها قد بلغت الثامنة إلا ربعا، فأخذت أتصور مدى غضب سائق الحافلة عندما سأدخل عليه. زدت من سرعة خطواتي، كنت على وشك الخروج من القسم العربي وإذا بصوت يناديني فأدرت وجهي نحو صاحب الصوت وإذ بشخص يركض نحوي ويناديني من بعيد:
_آنسة، آنسة…. مهلا، مهلا، لقد وجدته، لقد وجدددته أخيرا.
تمهلت حتى يصل. هو ذا وصل، إنه ذلك الشاب الذي التقيت به قبل ساعات عند دار النشر ” اقرأ” السورية وفي يده كتاب، مدت يده إليَّ فأعطاني الكتاب.
_ هو ذا الكتاب الذي أتيتِ هذه المسافة كلها لأجله، لقد حالفك الحظ اليوم.
أخذت الكتاب، فالقيت نظرة عليه، كأنه هو يا للسعادة التي لم تصدقها عيناي شرعت أتصفح الكتاب. إنه هو كدت أن أطير فرحا. تمالكت نفسي وخبئت فرحتي عنه:
_اهوووم، نعم، هو ذا الكتاب الذي بحثت عنه كثيرا، من أين جلبته؟ لقد فقدت أملي، كنت على وشك الخروج من المعرض والحمدلله، اخيرا وجدته، شكرا لك.
********
لقد دخلتُ الغرفة. ما إن سمع صوت فتح الباب حتى التفت نحوي فابتسم ابتسامة مرحبة وأجبته بابتسامة صافية ثم سألته وأنا أضع صينية الشاي وطبق الفواكه أمامه:
_كم صفحة بقيت؟
_لم يبق إلا قليلا، بعد يومين ستنتهي الترجمة.
جلست بجانبه فاستمرنا بترجمة القصائد واحدة تلوى الأخرى.
____________________________
لقد عانيت كثيرا في البحث عن المجموعة الشعرية الكاملة لمحمد الماغوط الشاعر المناضل السوري فلم أجده قط. لقد يئستُ من البحث نهائيا، فأنتظرت أن يفتح المعرض الدولي للكتاب في طهران. وجدت نفسي في المعرض في يوم الأربعاء ١٢ مايو من عام ٢٠١٠ وأنا أبحث عن الكتاب من غرفة إلى غرفة ومن دار النشر إلى أخرى ومن رف إلى رف وهكذا شاء القدر أن أجد الكتاب وزوجي “سعيد بوسامر” وموطني الأهواز معا في مساء ذلك اليوم.
لقد قمنا (أنا وسعيد) بترجمة الكتاب خلال ٦ أشهر. نشر الكتاب بكلتي اللغتين العربية والفارسية. هكذا قد سهلنا الأمر على محبي الأدب العربي وطلاب فرع اللغة والترجمة ولقد صار بإمكانهم أن يستمتعوا بقراءة قصائد العظيم الماغوط مع ترجمتها في آن واحد.
ينبغي أن اعترف بأنني لو كنت أعرف لغة أخرى غير الفارسية لقمت بترجمة أشعار حضرة الماغوط إلى تلك اللغة. ليس بسبب أنه رائد قصيدة النثر في الأدب العربي ولا لأنه شاعر وطني ومناضل ولا، لأنه أصدق جميع شعراء جيله ولا بسبب أشعاره التي تتسم بالعمق والغنى والحيوية والإبداع المتفرد. بل لأن حضرته أهداني وطنا، موطني الأهواز، كنت أشعر بالضياع والتشظي في مدينة بعيدة عن الهوية العربية، مدينة محاطة بأناس غرباء. لقد أدخلت الأهواز في جوف قلبي الدفء بعد ماكنت أعاني من زمهرير الأعاجم. إنها الأهواز موطن كل العرب الذين يقطنون داخل جغرافية ما تسمى بإيران.