أنا نسوية ٢/سرور ناصر

أنا نسوية ٢/سرور ناصر

 أنا وإياك والهدنة ثلاثة حول طاولةٍ صغيرةٍ لا ننش الذباب بل نقرأ الأذهان بالأخذ والعطاء مجددًا، لنعيد اجتماع الطاولات؛ تجمعنا الطاولات يا شبيهتي بالجنس، لكن الأفكار متباعدة إلى ما لا يرى.


دعيني أضحك هذه المرة أيضًا، خلافًا لتلك المرة ترتفع الموجات الصوتية لتلغي فكرة الخفة (الخفيفة) في ذهنك حتى التلاشي؛ أنتِ ذلك الهواء الذي يحمل الضحكة إلى الآذان. تقولين في مستهل الكلام، إنني لست اجتماعية؟ ولا أثير شوق من يجتمع بي بعد أقداح الزمن؟ استهلالٌ رائع. يروق لي أن أسمع رأيك بدايةً أيتها المرأة! لأن الرأي رأيك: يصبح ذا قيمة بعد أن يحتضن الضمير (رأي+ي=رأيي) ليختص بك أنت وحدك. أجل، وحدك دون غيرك. هلا تناقشنا بصفتنا كيانين ما دمت خَطَوْتِ خطوة لتكوني نفسك؟ أعني خطواتك لتكوني امرأة؛ كيان تفكر وتكوّن لها رأيًا عن الحياة، لا أقل من جنسٍ آخر ولا أكثر.
لكن، هل لنا أن نعلم، ومن لسانك أنتِ عن الاجتماعية وغير الاجتماعية؟ وعما كانت تحتوي من معان في قاموسك وحدك؟ بلى وحدك، وحدك من استطعت تعيين جوهر اعتباطي لمصطلح ما، سمعتِه من مكان، قبل أن تقومي بصبه في قالب أفكارك. والقصد منه ليس إهانتك بل الشرح الذي جمعنا حول هذه الطاولة، ولابد لصرف بعض المرونة في الأخذ والعطاء إذا ما استفزتنا الأفكار.
لأمثِّل ما تقولينه: أنت اجتماعية لأنك توزعين المجاملات والألفاظ التي لا يمكنك أن تكوني امرأة من دونها (كما قالوا لك) جيئة وذهابًا، تجالسين من تضمرين لها كرهًا، تتصرفين وكأنها أعز عليك من حياتك، ثم بلحظة ما وبعد أن تفارقك تشنين حروبًا ضدها وبغيابها طبعًا! أنت اجتماعية لأنك تتحدثين بكثرة عما لبستْ تلك، وعما أكلتْ تلك، وعما احتوى منزل تلك، ذلك أن المجلس النسائي يقاوم إثارته معك وعبرك، طبعًا لأنك اجتماعية!
أما أنا فلست اجتماعية! تجتمع ملامح وجهك، ذلك أن النمط ليس لا يعجبك فحسب بل يثير سخطك، فأنا أقرأ كثيرًا، أقضي وقتي في التحري عن وضع المرأة، بالطبع لست اجتماعية! وأي منطق ذلك الذي يسقط صفة الاجتماعية عني ويقدمها لك؟    
سأجيبك بأحسن حال، وعلى ما يرام؛ لماذا؟ ألأننا لا نتشارك الثرثرة؟ إذن دعيني أضحك علّما نجد زاوية تجمعنا أنا وإياك، علّها شبيهة بالحفرة الدرويشية، ولنتلو أنا وإياك: “العدو والحفرة”:
ولنفترض أنا والعدو نقع في حفرة واحدة…
تضحكين هذه المرة ضحكة الحرج. تتكسر أمواج صوتك ببلاهة، غير لاقية سبيلًا إلى سبيلي؛ إنك تشرِّعين أفعالك وتهاجمين غيرك وإن كان الفعل وجهين لعملة واحدة! صفقي بيديك، ها نحن وجدنا حفرة تجمعنا؛ أنا النسوية وأنتِ الخانعة مجددًا! إذن لابد من حفرة…
تحيط طاولتنا دخان الارتياب، عفوًا قصدتُ حفرتنا؛ ما أعنيه حفرة مجازية، صنعة شاعر خيالية، كان يسترق الحريات من طيات الأمنيات! قولي ما تشائين، هنا، لا يطل علينا أفعى، ولا فرضية مزعومة ترهبنا، ولسنا عدوتين. فلنكن أنا وإياك هذه المرة في حفرة وهمية، تاركتين الطاولة طالما لم نحصد منها تفاوضًا، إذن صارحيني ولتكوني طرفًا في حفرة بعد أن وقف الزمكان يدوِّن حوارنا على ورقة بالية. أعدك وعدًا، لك أذنا مني تسمعك إلى آخر خيط يكلل السماء.
عذرًا لا أملك ما استضيفك به، لعلمك؛ لا توجد أدوات استضافة ولا المحتويات في الحفرة. أسمعتِ قبل هذا أن ضيفًا غادر الحفرة وتدق القهوة أوتار عروقه؟ اقنعيني إذن كيف التحدث عما أكلتِ في منزلي، وجودته؟ ألا تتعبي من عد النياشين في الفناجين؟ أوراق الشاي تعبت، خائفة من نظراتك الثاقبة، لستُ مخطئة، لامستكِ جيدًا؛ عد محتوى الضيافة وجودته، بؤرة حديثك لأسبوعٍ كامل، يتربع على أيامك، يكشر لك وتكشرين له؛ متواطئان أنتما! وأي اهتمام يعلو ما تأكلينه بمنزل الآخرين؟ وكأن استكانت حياتك هناك، إذ عملية انتقاء الصداقات لا تتم عندك إلا عبر الصينية التي تتبادلينها التحديق في البيوت التي تزورينها!  
تخيفك تعابير منفعلة مثلي؛ أرى ذلك في وجهك، يحيل اصفرارًا، وتتوارى المستحضرات الباهظة، خلف ترسبات أفكارك، أخشى عليك هبوط الضغط وحيله! ما الذي تعنينه؟ تقولين وأستجيبُ لك: أعني يا…؟
عفوًا بمن أناديك، لقد ضاع مني اسمك بين شتاتي وتبعثراتي الليلية، انساب مني كضوء يفر هاربًا كلما حن اللقاء بيني وبينه، إذن من أنت يا صديقة الطاولة؟
_أنا؟ أنا امرأة اغتنمت الفرصة قبل الإدراك بعبثية الذات، مضحكة تلك المفردة التي تنددين بها أبدًا، تبغضني أبدًا! أنا امرأة أملك بالحياة ما لا تملكينه؛ لي زوجٌ يحبني أكثر من أمه، تضمني ذراعيه قبل نومه، أشعر بأمان، شعور يجأر بقلبي: إنه الأمان الذي لا تملكينه، لا أنت ولا أمثالك!
أقول ويتملكني الغضب ولا يتملك، فأنا امرأة تنهل الصدق نهلًا، تسكب الحقائق سكبًا؛ تكرهينني أم تحبينني هذا من شأنك. بيني وبين الأخريات سبيلًا من الصدق، لا تستهويني زيف المفردات؛ كقلبي وعيني وما يشابه ذلك مما تتفوهين به على سبيل الاعتياد. لنكن صادقتين، لا أحد يقدم للآخر أعضاءه الجسدية! فلنفترض أنك ستهاجمينني بعد هذه الجملة. دعك من هذا، لتستريحي في حفرتنا، لقد جهزتُ لك الإجابة قبل ولادة الرد.
تتشكل في بالك دوامة النسف، تمضغينها قبل الانطلاقة. قفي بمحلك يا أفكارها؛ أسمعكِ قبل التفوه بما لا يليق بالاستماع، قائلة إنك ستضحين بحياتك لأعزائك! حسنًا، لقد سمعتكِ لمرات متعددة، تكررين المفردات لنساء الجيران، لصاحبة المتجر، للطفلة التي تلعب وابنتك عصرًا بمحاذاة مدخل المنزل، للبعوض، للسحاب السوداء قبل البيضاء، ترى ستهدين أعضاءك للجميع؟ أتساءل كم من الأعين تحت ملكيتك؟ صحيح، تذكرت عينيك الخفيتين اللتيا تراقبان أثر الأخبار! اكملي حديثك من فضلك، سماعك من شأني اليوم.
_أنا امرأة تعشق الزوج قبل الذات، والانصياع له هاجسًا؛ أولًا وثانيًا وآخرًا. تمنطقك لا يعنيني، ما دمت أنا امرأة تعيش الأنوثة قبلك وبعدك!
إليك بعض الهدوء، ذلك الذي تظنينه الهدوء الذي لا يمكنك أن تكوني امرأة من دونه! لا أفتعل الأذية، إنني أعادي ما قد يشغلك عن نفسك بدم بارد. لستُ أفعى حين أجدك ضائعة بوهم الخرافة، والموروثات، لكي أطل عليك برأسي في الحفرة، أنا معك، لأريك واقع الأفعى. إذن لتصفق الأنمل بجوارنا، ولتحيا امرأة أهوازية؛ علها تكون ابنتي أو ابنتك، لا تشبهني ولا تشبهك: حاجز بيننا، أنا المنفعلة وأنت الخانعة، أي منا تفوز بتهديمه؟ أنا المنفعلة أم أنت الخانعة؟ تلك التي ترسم مصير بنتينا…
 



أنا مثقف الأهواز

تصنيفات