هذه الدراسة تدرس أصول أسماء المخلوقات البحرية في لهجة البندرية الذين يعيشون بشکل متفرق في معشور وهنديان وديلم وگناوة (جنابة) وأبوشهر؛ ويصفهم بعض المهتمين بالأنساب بأنهم من أصول عربيّة قد استعجموا قديما، کان يعيش هؤلاء في الغالب علی صيد الأسماک وقلافة السفن ونقل البضائع.
لغة البندرية متکونة من عدّة لغات مثل العربيّة واللريّة کما لها تأثرات بلغات أخری مثل الهنديّة والسواحيليّة والإنجليزيّة، علی سبیل المثال: يسمون المقعد کُرسيًا في حين أن هذه المفردة ليست متداولة في اللهجة الأهوازيّة، وهم قد اقتبسوها من اللغة الهنديّة عبر التجارة البحريّة: कुर्सी (تلفظ: kursee) والهنديّة بدورها من العربيّة الفصحی: الکُرسي.
جمعتُ بالاعتماد علی المنهج الميداني أسماء بعض المخلوقات البحريّة الجارية على أفواه البندرية ثم أتبعت المنهج التقابلي وعرضت هذه المفردات على المعاجم العربيّة مثل “کتاب العين” للفراهيدي، و”جمهرة اللغة” لابن دريد، و”تهذيب اللغة” للأزهري، و”المحيط في اللغة” للصاحب بن عباد، بهدف کشف الأصول وأوجه الاختلاف وكشف التغييرات التي حدثت لهذه الأسماء بسبب الظواهر اللغوية مثل إبدال الحروف. فإليکم مفردات المقال:
بیاهو
من أشهر الأسماك له لون اخضر في الجزء العلوي من الظهر فضي في الأسفل. والكلمة ذات أصل فصيح: “بياح” وقد أبدلوا الهاء حاءًا وأضافوا لها الواو الخليجيّة. جاء في العين: « البِيَاح: ضرب من السمك صغار أمثال شبر. و هو أطيب السمك. قال:
يا رب شيخ من بني رباح إذا امتلا البطن من البِيَاح» (3/311).
چنعت
ضرب من السمک البحري، والکلمة وردت بالکاف في المعاجم العربيّة القديمة، جاء في المحکم والمحيط الأعظم: «الكَنْعَتُ: ضَرْبٌ من سمك البَحْرِ كالكَنْعدِ و أُرَى تاءَه بَدَلًا» (2/419).
خَسّاگ
سمکة الحَبَّار يتراوح طولها بين 15 و 25 سنتيمترًا. أصل اللفظة “خذّاق” وقد نطق القاف گافًا، والذال سينًا في مرحلة أو مرحلتين، سُميت بالخذّاق لأنها تخذق في البحر إذا صيدت، قال الصاحب بن عباد في کتاب المحيط في اللغة: «الخَذّاقُ: سَمَكَةٌ في البَحْر لها ذَوائبُ كالخُيُوط، فإِذا صِيْدَ خَذَقَ في الماء» (4/192) .
دكس
الدلفين، والکلمة ذات أصل عربي قح. قال الأزهري (ت: 370 هـ.ق) في تهذيب اللغة: «قال شَمِرٌ: الدُّخَسُ دَابَّةٌ في البحر» (7/75). وقد نطقوا الخاء کافًا.
ربيون:
الجمبري، ورد بشکل “ربِيَان”في المعاجم العربية القديمة، جاء في المحيط في اللغة: «الإِرْبِيَانُ: سَمَكَةٌ حَمْرَاءُ نَحْوُ الإِصْبَعِ المَعْقُوْفَة»(10/235).
سِکله
سمکة بحريّة، لونها أسود فاتح ، يصل طولها أحياناً إلى ستين سنتيمترًا .رجّعها أحد الباحثين إلی “سگ کله”! جهلًا وهي وردت في أمّات (أمّهات) المعاجم العربيّة، جاء في المحيط في اللغة: «السِّكْلُ: سَمَكَةٌ سَوْداءُ ضَخْمَةٌ في طُوْلٍ، و الجميع الأسْكَالُ و السِّكَلَةُ» (6/186).
شَهري
ضرب من السمک، واللفظة متداولة لدی العجم. وهي مسموعة بالعين أي “شعري” لدی بحارة الأهواز وعرب الساحل الشرقي والامارات والکويت. وتعرف هذه السمكة في مصر وسواحل البحر الأحمر باسم “الشعور” وربما اشتق الاسم “شعري” و”شعور”.
شيگ
ضرب من السمک. والکلمة تحريف “شيق” العربيّة، قال الأزهري في تهذيب اللغة: «الشِّيق: ضَرْبٌ من السَّمَك» (9/169).
قُبّاد:
ضرب من السمک البحري، والمفردة متداولة بين البحارة العجم، أما بحّارة الأهواز والکويت والامارات فيقولون: “خُبّاط”، والشکل الوارد في المعاجم العربيّة القديمة، قال الصاحب بن عباد (ت: 385 ه.ق) في کتاب “المحيط في اللغة”: « الخُبّاط من السَّمَك: أولادُ الكَنْعَدِ الصِّغارُ» (4/295).
گبگوب (و: گبگو)
السرطان البحري، فيه لحم يؤكل لتقوية الفحولة عند الرجال، يُشاهد بالقرب من الشواطئ عند بداية المد ونهاية الجزر في المياه الضحلة، أصل الکلمة: “قبقب” وقد تعرّضت لغييرات صوتيّة ودلالية، جاء في جمهرة اللغة لابن دريد: « القِبْقِب: ضربٌ من صدف البحر فيه لحم يؤكل» (1/176) .
لزّاك
ضرب من السمک، واللفظة تحريف ” لزّاق”، علی وزن فعّال من لزق أي التصق.
لُقمه:
يطلقون کلمة “لقمه” علی أسماك الشِفنين وهي مجموعة من الأسماك الغضروفية. واللفظة ذات أصل عربي فصيح: “لُخمه” وقد نطقوا الخاء قافًا، قال الفراهيدي (ت: 170 هـ.ق) في “کتاب العين”: «اللُّخْمُ من سمك البحر، قال: كثيرة حيتانه و لُخَمُهُ » (4/274). .
هامور
من أجود أنواع الأسماك واشهرها. يصل طوله الأقصى إلى 150سم، والاسم محرف عن “حامور”، وقد سمي بذلك لأنها منقطة باللون الأحمر أو البني الداكن.
النتيجة
لا أرید من خلال هذه الدراسة الموجزة أن أعمم النتيجة علی لهجة البندریة التي هي خليط من عدة لغات، ولکن یمکن أن أقول بأن أسماء المخلوقات البحریة العامیة المتداولة علی ألسنة هذه المجموعة السکانيّة ذات جذور عربیة تحوّرت وانحرفت عن أصلها بمرور الزمن، وهذا الموضوع یتطلب المزید من الدراسات.
المصادر:
ابن دريد (ت 321 هـ)، جمهرة اللُّغَة، بيروت: دار العلم للملايين، 1998م.
ابن سيده (ت 458 هـ)، المحکم والمحيط الأعظم، بيروت: دار الكتب العلميَّة،1421ه.ق.
الأزهري، تهذيب اللُّغَة، بيروت: دار إحياء التراث العربي،1421 ه.
الصاحب بن عباد (ت 385 هـ)، المحيط في اللُّغَة، بيروت: عالم الكتب، 1414هـ.ق.
الفراهيدي (م: 175 ق)، کتاب العين، قم: نشر هجرت،1409ه.ق