- سعيد بوسامر
فبراير/٢٠٢٠
امتلکت الأهواز تراثاً ثقافياً راقياً أثّر على الحضارة العربية في الحقبة الإسلامية والمشعشعية والكعبية وذاع صيت الكتّاب الأهوازيين في العالم العربي هذا لأنّ كتاباتهم أضافت شيئاً ما إلى الأدب والمعرفة آنذاك. الآن وبعد فترة من الخمول انتفضت الأهواز من جديد وبرز أبناؤها في الكتابة والنشر. لا ریب أنّ هذا إنجازٌ ملفتٌ ويستحق الثناء إذا حمل في طياته شيئا من الإصالة والأرضية الصادقة وانبعث من واقع الحال وصار مرآة لقضايا العامّة من الناس ومطالباتهم.
في غياب النقد الناضج وفي ظل أجواء المجاملات الحارة تعيش الأهواز اليوم أحلك ساعاتها من حيث المنجز الثقافي وتمر عملية الكتابة والنشر بسرعة لافتة للنظر في العقد الأخير دون تدقيق وإمعان فيها. فترى ضعفاء الأمة أصبحوا روّاد قلم، وأفَلَتْ شمس أصحاب المبادىء نظراً للظروف المسيطرة واختلط الحابل بالنابل.
فهل كل هذه الكتابات تستحق أن تُسجّل كتأريخ أدبٍ ومعرفةٍ للأهواز؟
عند قراءتي للمنتوج الثقافي الأهوازي الحديث
اتّضح لي بعض النقاط فكتبتها من أجل البناء الأفضل وتأسيس أدب واعي:
– لنأتِ بالنهاية في البداية: أغلبية الإنتاجات العربية غير مؤهلة بأن تُسجّل كإنجاز ثمين وستسقط من الرفوف شاء الكاتب أم أبى.
-الكثير من كتاباتنا تتواطأ مع واقعنا المتأزم بل تهمل الواقع تماماً.
-الكثير من إنتاجاتنا لا تحمل سمات المبادئ والقيم العربية
-بعض الكتابات لا تنتمي الينا لأنها لم تُكتب لنا أساساً وعندما تسأل الكاتب يقول لك: أنا أكتب لعالم آخر، وآخر يقول: أنا أكتب لنفسي وهو ينشر ويوزع دراساته أو كتبه للقارىء الأهوازي!
– في غياب الخبرة والتخصص أصبحت بعض النصوص مجرد تكرار لأفكار وأقلام سابقة تمت إعادة صياغتها في الأهواز.
-بعض النصوص يا أصدقائي مجرد هراءٍ لطّخ الأوراق فحسب ولا تستحق أن تُنشر.
إنّ الكاتب والمثقف هو الصدمة الكهربائية العنيفة التي توقظ المتلقي من غفلته فمهمته طرح قضايا أساسية غابت عن أعين القرّاء من عامة الناس. الكاتب الحقيقي يطرح فكرته ببساطة لكنه يغلب بها وجه العالم فهو يأتي بها عمليةً تؤثر في حياة الناس وتدفعهم نحو صياغة مستقبل أفضل. لكن:
-بعض كتّابنا ومثقفينا اليوم صاروا يحرصون على بروز أنفسهم بالنشر السريع غير عابئين بالذي يترتب على المنشور لاحقا فالغاية عندهم أن يكونوا كتّابا لا أن يكونوا أصحاب فكرة ونظرية.
_ بعضهم أيضاً يبرز عضلاته الأدبية ويكتب طلّسمات لا يستطيع القارىء المحترف أن يكشفها وتغدوا النخبة دائما في صراع التأويلات والمجاملات فهل يدركها القارىء البسيط؟!
-بعضٌ آخر يفضّل الأسلوب الكتابي والزخارف اللفظية على الفكرة بما أنّ مغزى اللمات في لبّها لا في القشور والفكرة أهم من الأسلوب فتراهم غيرجريئين ويكترثون بتسطير المفردات الفخفاخة فحسب.
-بعض الكتاب الأهوازيين يجلدُ الذات ويُحقّر الواقع العربي ويهاجم ويضع اللّوم كل اللّوم على العامة دون أن ينظر إلى الأسباب الرئيسية المسببة.
-بعض آخر من كتابنا الأفاضل يتّسم بالتذبذب وتبدل المواقف حسب المنافع والأغراض.
لا شك أنّ كلّ هذه آفاتٌ تضرب الأدب الأهوازي وتخرجه عن مساره الصحيح وتعيق عملية التراكم المعرفي. لنعي أنّ الكتابة الفاضلة هي التي تحفظ حماسنا وتؤطد شملنا وتعزز إنتماءنا للغتنا وهويتنا وثقافتنا وتحركنا من غفوتنا وتشيّد الخلود للأجيال العربية القادمة. الكاتب الروسي فيجوتسكي مازالت أفكاره التربوية مستمرة بتأثيرها على مدى عقود بعد وفاته، تربي الأجيال وتنور طريقهم. لنعي أيضا أن المسألة ليست بكثرة المؤلفات وبعدد الصفحات بل بالإضافة والإصالة وبالخلفية الصادقه. فربّما نص شعري بلغةٍ عربية مبسطة أشدّ أثراً من كثير ما كتب ونشر من كتابات فصيحة غامضة. فيا أخي الكاتب ويا أختي الكاتبة ليس كل ما يُكتب يُنشر وليس كلّ ما يُنشر يُقرأ وليس كلّ ما يُقرأ يُحقق الغاية المطلوبة وعلينا أن نفرق بين ما هو أدبٌ فاضلٌ وماهو في الحقيقة أدبٌ فاشل.